يُعَد الاحتراق الوظيفي أحد أهم التحديات التي قد يواجهها مسؤولو الموارد البشرية في الشركات؛ نظرًا لتوليهم العديد من المهام المعقدة التي قد تستهلك طاقتهم وتؤثر سلبًا على إنتاجيتهم، مما يزيد من احتمالية تعرضهم للتشتت والإنهماك.
يقول خبير الموارد البشرية ستيف كاكزمارسكي Steve Kaczmarski: «السبب الأول للاحتراق الوظيفي هو القيام بالأشياء نفسها مرارًا وتكرارًا دون رؤية نتائج فعالة». في حين تعرب الإعلامية المشهورة أوبرا وينفري Oprah Winfrey عن رأيها في سبب الاحتراق الوظيفي بأنه نتيجة للقيام بالعديد من المهام الروتينية أو غير المُرضيّة، ما ينتج عنه إضعاف الشغف واستنزاف الوقت والطاقة دون أن يشعر الشخص بأنه يُسيطر على زمام عمله ومنصبه.
وما بين نظريات وتحليلات ودراسات سابقة عن أسباب الاحتراق الوظيفي، تتوه الكثير من المعلومات. الأمر الذي يجعل الوصول إلى إستراتيجيات فعالة لمواجهة هذا الاحتراق مهمة صعبة للغاية. لكن الخبر السعيد هنا، أنك ستجد لُب التفاصيل معي في الأسطر القادمة. لذا، تابع قراءتك بعناية.. جاهز؟
لكن أولًا..
يُطلق الكثير من الأشخاص مصطلح الاحتراق الوظيفي حينما يفقدون شغفهم -جزئيًا أو كليًا- تجاه وظيفتهم أو بعض مهامها. ولكن في الحقيقة، مفهوم الاحتراق الوظيفي له تعريفٌ مُحددٌ من قبل منظمة الصحة العالمية WHO، التي عرفته على أنه: «متلازمة يُنظر إليها على أنها ناتجة عن ضغوط العمل المزمنة التي لم يتم التعامل معها بنجاح».
وتُحدد منظمة الصحة ثلاثة أبعاد تُحدد هذا التعريف، وهي على النحو الآتي:
ملحوظة مهمة: تشير منظمة الصحة إلى أن إطلاق لفظ الاحتراق Burn-out يُقتصر ذكره في السياق المهنيّ، ولا ينبغي تطبيقه لوصف تجارب شعورية أخرى خارج مجال العمل.
أما في كتاب «الاحتراق الوظيفي: تكلفة الاهتمام»، تشير المؤلفة Christina Maslach إلى تعريف الاحتراق على أنه حالةٌ من الإرهاق البدني والعاطفي والعقلي الناجم عن الانخراط طويل الأمد في مواقف تتطلب جُهدًا عاطفيًا كبيرًا ومستمرًا.
وبغض النظر عن التعريف الذي ستعتمده هنا لوصف هذه الظاهرة، يكفي فقط أن ننظر حولنا إلى حال العديد من المسؤولين والموظفين في شركاتٍ كثيرة، وسنرى مدى انتشار هذا الإرهاق على مختلف الأصعدة.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو..
لا ينظر الخبراء إلى الاحتراق الوظيفي على أنه اضطراب مفاجئ يُصاب به أحد الموظفين بعد حدثٍ كارثيّ أو مُهلك يحدث لمرة واحدة؛ إذ تُشير جامعة كامبردج في إحدى أوراقها بعنوان The Psychology of Burnout إلى أن مشكلات العمل التي تؤدي إلى الاحتراق لا تظهر فجأةً بشكلٍ عام، وإنما تنتج عن ضغوطٍ مزمنة لم تُتَدار بفاعلية.
وللتأكيد على ذلك، دعنا نفترض هنا أنك واجهت تحديًا صعبًا ومفاجئًا في العمل، وعملت على حشد الموارد والأدوات للتعامل معه في الأمد القريب. في مثل هذه الحالات، ستكون العودة إلى العمل كالمعتاد عملية يسيرة نوعًا ما؛ أي أن هذا التحدي المفاجئ لن يؤدي عادةً إلى الاحتراق الوظيفي. نعم، ربما قد يؤدي إلى توتر أو إرهاق مؤقت، ولكنه لن يتركك في حالة مزمنة من الإرهاق والمشاعر السلبية وضعف الأداء.
بخلاف التحديات المتكررة والشائعة التي يصعب التعامل معها بفاعلية على المدى القريب والبعيد. ولا يُشترط أن تكون هذه التحديات أو العقبات عنيفة أو مؤلمة، يكفي فقط أن تكون مرهقة ومتكررة؛ لأن هذه الطريقة تؤدي إلى تراكم الضغوط تدريجيًا، وتتراكم بالتبعية مشاعر الإرهاق والإحباط والاحتراق الوظيفي.
ولعل هذا هو السبب الذي يجعل معظم المسؤولين والموظفين لا يُدركون ما يمرون به حتى تظهر أعراض الاحتراق الوظيفي بعد فترات طويلة من الضغوطات التدريجية والمتكررة.
ملحوظة في الصميم: يُذكرني تراكم ضغوطات العمل وتأثيرها على طاقة الموظفين بمصطلح «الضفدع المغلي» الذي يشير إلى أن الطريقة المثالية لغلي ضفدع هي بوضعه في ماءٍ معتدل الحرارة، ثم يُسخن الماء تدريجيًا ببطء. فبهذه الطريقة، يصعب على الضفدع القفز من الماء المغلي تدريجيًا لعدم شعوره بتغيرات الحرارة. ويتشابه ذلك تمامًا مع التحديات المتكررة التي يواجهها الكثير من مسؤولي الموارد البشرية في بيئة العمل، إنها تستهلك طاقتهم ومجهودهم دون أن يشعروا!
وفيما يلي أهم 5 أسباب للاحتراق الوظيفي عند مسؤولي الموارد البشرية..
يتعامل مسؤولو الموارد البشرية مع مشكلات الموظفين وطلباتهم بصفةٍ دورية. فكر معي -على سبيل المثال- في مشكلات الرواتب أو تأخرها، أو مشكلات التوظيف وانتقاء العاملين المناسبين لثقافة الشركة. تُسبب هذه المهام ضغوطًا عاطفية مستمرة، مما يزيد من التوتر والنزاعات وتراكم المشاعر السلبية. وقد يُضعف التعامل المتكرر مع مشكلات الموظفين من تركيز المسؤولين على المهام الأخرى، ما يُفاقم من شعورهم بانعدام الإنجاز.
تستغرق العديد من مهام الموارد البشرية ساعات طويلة، خاصةً إذا أُودِيِّت بطريقةٍ تقليدية. على سبيل التوضيح، يتطلب العمل على مسير الرواتب وقتًا ومجهودًا كبيرين؛ إذ يتحتم على مسؤول الموارد البشرية مراجعة سجلات الحضور والانصراف وحساب ساعات العمل الإضافية والنظر في الخصومات والإجازات وغيرها من البيانات التي تُؤثر أصغرها على دقة الراتب.
وفقًا لإحدى التجارب التوظيفية، فإن عدد الساعات المطلوبة لتعيين الموظف المناسب -في أفضل السيناريوهات- يستغرق قرابة الــ 100 ساعة عمل!
ولا يُعَد طول الوقت المستنزف هو العامل الوحيد للاحتراق الوظيفي هنا، بل أضف إلى ذلك كم المجهود المطلوب في اتخاذ هذه القرارات المصيرية، خاصةً إذا اُتبعت طرقًا تستهلك الوقت والمجهود، كأن يتم اختيار المرشحين والتواصل معهم ومتابعة طلباتهم وتصفية سيرهم الذاتية باستخدام منصات التوظيف التقليدية. الأمر الذي يزيد من الإرهاق والتشتت ويزيد من المشاعر السلبية.
يتولى مسؤولو الموارد البشرية مهامًا مُعقدة، مثل تدريب الموظفين وتأهيلهم للتحديات المختلفة. إضافةً إلى ذلك، يجب عليهم قياس إنتاجية العاملين من حينٍ لآخر. وقد يُوكل إليهم مهمة إعادة هيكلة الفِرق الموجودة في الشركة أو تقليص القوى العاملة في أوقات الأزمات. تستهلك هذه المهام وقتًا كبيرًا، وهي تحتاج إلى اسثتمار عاطفي وعقلي كبير، مما يزيد من احتمالية التعرض للاحتراق الوظيفي.
يتوقع المديرون والموظفون على حدٍ سواء إنتاجية مرتفعة من مسؤولي الموارد البشرية، وذلك لكونهم العمود الرابط بين أهداف الشركة وطموحات الموظفين المهنية والشخصية. وبسبب هذه التوقعات المرتفعة، يلجأ العديد من المسؤولين إلى القيام بمهام صعبة في محاولة لإرضاء الجميع. ولمّا كان إرضاء الجميع غاية لا تُدرك، يشعر معظم المتخصصين في النهاية بضعف الحافز وغياب التقدير؛ مما يُولِّد إحباطًا أكبر ويزيد من معدل الاحتراق الوظيفي تدريجيًا.
والسؤال هنا..
يُعد اكتشاف أعراض الاحتراق الوظيفي على الآخرين أسهل من ملاحظتها في أنفسنا. ولكن أُريدك أن تفكر معي هنا في الجمل التالية، وتأمل إذا كانت إحداها تبدو مألوفةً بالنسبة لك:
لاحظ هنا أن تكرار هذه الأفكار أو ما يُشابهها قد يكون مؤشرًا على الاحتراق الوظيفي. وهو الأمر الذي قد يُغيِّر من سلوكك في بيئة العمل؛ كأن تُصبح أكثر غضبًا أو جدالًا، أو تتأخر في تنفيذ المهام الروتينية التي كانت تستغرق منك وقتًا أقل فيما مضى. وقد تُلاحظ ارتكابك لأخطاءٍ غير نمطية في مهامٍ تعودت على إجادتها.
وفيما يلي مجموعة من العلامات التي قد تشير إلى الاحتراق الوظيفي لمسؤولي الموارد البشرية:
تستدعي هذه الأعراض الانتباه لإعادة التوازن بين الحياة والعمل؛ لأن تأثيرتها نادرًا ما تتوقف عند بيئة العمل الداخلية؛ إذ سرعان ما يشعر مسؤولو الموارد البشرية بتوقف حياتهم المهنية، وقد ينعكس ذلك بالسلب على تقديرهم لذاتهم وعلاقاتهم الاجتماعية مع الزملاء والأصدقاء والعائلة.
لذلك، من المنطقي أن نسأل هنا السؤال التالي..
يشير استشاري الطب النفسي طارق الحبيب إلى أن الاحتراق الوظيفي يُلاحق الأشخاص الذين لا يُدركون كيفية إدارة ضغوط العمل. ويمر الموظفون في مثل هذه الحالات بمراحل ثلاثة، وهي:
وفيما يلي مجموعة من الخطوات العملية التي تساعدك على مواجهة الاحتراق الوظيفي..
التعرف المبكر على أعراض الاحتراق وعلاماته أمرٌ ضروري للنجاح في مواجهته قبل أن تستفحل تأثيراته السلبية. لذلك، أدعوك هنا إلى الاطلاع الوافي على المصادر العلمية التي تساندك في هذه الرحلة. قد يكون من المفيد لك أيضًا الاستماع إلى الإذاعات الصوتية التي تُغطي مواضيع الاحتراق الوظيفي وكيفية التعامل مع ضغوطات العمل.
نصيحة في الصميم: استمع إلى ما يقوله جسدك ودقق النظر في حالتك النفسية والجسدية. خذ وقتك في استعراض علامات الاحتراق الوظيفي وتأثيره عليك. يمكن أن يساعدك استحضار يوم عمل عادي في استكشاف الأعراض التي تُعاني منها. من المفيد أيضًا مراجعة أدائك فيما سبق ومقارنته بالوضع الحالي حتى تكتشف أوجه الخلل بطريقةٍ أدق.
العناية بالذات هي وقودك الذي يدفعك للأمام، وهي طريقة مثالية للسيطرة على القلق وخفض التوتر. أضف إلى ذلك، أنها ستُقوِّي ثقتك بنفسك وستُقلل من تشتتك وشعورك بالإرهاق. لذا، لا يُعَد الاشتراك في النادي الرياضيّ رفاهية، ولا يُعد البحث عن هواية جديدة ضربًا من الأفكار المجنونة، بل يمكن النظر إليها كمتطلبات أساسية للتفريغ العاطفي وتهدئة النفس من الضغوطات اليومية والحياتية في يومنا المزدحم.
وهذه بعض الخطوات الإضافية التي قد يهمك تضمينها لتعزيز العناية الذاتية:
إن خلق توازن بين احتياجات العمل داخل شركتك ومتطلبات الحياة يُساعدك على مواجهة الضغوط والتحديات المختلفة، لأنه يسمح لك بالتفريغ العاطفي في أنشطة اجتماعية أخرى، مثل الجلوس مع عائلتك أو زيارة مكان جديد أو حتى الذهاب في نزهة سريعة. لاحظ هنا أن هذا التوازن يُقلل من شعورك بالإحباط والانهماك.
ومع ذلك، فإن تحقيق هذا التوازن مهمة صعبة على مسؤولي الموارد البشرية، الذين يقع على عاتقهم ضغطًا مستمرًا بسبب المواعيد النهائية الوشيكة والرغبة الدائمة في النظر إلى رسائل البريد الإلكتروني والرد عليها. ولهذا السبب، يجب عليك إيجاد طرق مناسبة لإدارة وقتك، ليس فقط داخل العمل، وإنما خارج العمل أيضًا.
نصيحة في الصميم: يمكنك إعداد جدول يومي للمهام الحياتية التي تودّ إنجازها وتحديد وقتٍ لها، مثل الذهاب إلى النادي الرياضي أو قضاء وقت مع العائلة. حدد كذلك أوقاتًا ثابتة للرد على رسائل البريد الإلكتروني والمكالمات، مثل تخصيص نصف ساعة مسائية لهذا الغرض؛ كأن تقول: سأنظر في رسائل البريد من الساعة الثامنة إلى الثامنة والنصف فقط.
وهنا خطوات إضافية للتعامل مع الاحتراق الوظيفي:
ملحوظة: قد يهمك معرفة الفرق بين الكفاءة والفاعلية في بيئات العمل من هنا.
قَيِّم الأدوات المستخدمة في إدارة الموارد البشرية في شركتك، واستبدل الأدوات التقليدية منها بأدوات أكثر ذكاءً. وإذا فكرت معي هنا، ستجد أن هذه الطريقة من أفضل الطرق التي تَحمي بها وقتك، لأنها ستُوفِّر عليك الكثير من المجهود المستنزف في تأدية المهام الروتينة.
على سبيل المثال، بدلًا من توظيف العاملين بطرقٍ مُرهقة كنشر الإعلان الوظيفيّ على الموقع الإلكترونيّ الخاص بشركتك أو مواقع التوظيف التقليدية، يمكنك الاستعانة هنا بــ منصة سكيلرز الذكية، التي تُوفِّر عليك عناء البحث عن المرشحين المناسبين، لأنها تصلك بأصحاب الكفاءات السعوديين بطريقةٍ احترافية وبسرعة استثنائية.
ويمكنك المفاضلة بين المرشحين المحتملين بتحديد المعايير والمهارات التي تهمك. كما تعرض لك المنصة ملفات شاملة عن المتقدمين، مما يمكنك من مقارنة الأشخاص المناسبين ومراجعة بياناتهم في أي وقتٍ شئت. تساعدك المنصة أيضًا على اتخاذ قرارات مدروسة بمجهودٍ لا يقارن مع منصات التوظيف العادية، وذلك بسبب المعاونة التي ستتلاقها من فريق سكيلرز في جدولة المقابلات وتقديم العروض الوظيفية والتفاوض عليها؛ أي أنك ستحصل على تجربة توظيف مَرنة وشاملة.
جرّب منصة سكيلرز الآن وواجه الاحتراق الوظيفي بذكاء!
هناك مقولة قرأتها قديمًا أُحب أن أذكرها هنا في خاتمة مقالي، تقول: «الطائر الذي يجلس على غصن الشجرة لا يخاف أبدًا من انكسار الغصن، لأنه لا يثق بالغصن، بل بأجنحته».
والمقصد من هذه المقولة، أنك إذا تعلمت إدارة ضغوطات العمل وتسلحت بأدواتٍ ذكية تَحمي بها وقتك ومجهودك، فستكون قادرًا على مواجهة الاحتراق الوظيفي بشكلٍ أفضل؛ وسيصبح من السهل إعداد الإستراتيجات اللازمة للحدّ من استنزاف طاقتك ومواردك.
وبهذه الطريقة، سيتوفر لك وقتًا أكبر لتأدية المهام الإبداعية التي تُثري رؤيتك ومهاراتك المهنية. لذا، تذكر دومًا أن تتبع الإستراتيجيات التي تدعم المرونة والتكيف.