نستخدم في حياتنا اليومية وربما في بعض التعاملات الرسمية مصطلحي الكفاءة والفاعلية بالتبادل فيما بينهما، ولكن على الرغم من هذا الاستعمال الشائع فإن بينهما اختلاف كبير. ومن المهم تحديد أوجه ذلك الاختلاف خاصةً لقادة الفِرق وصناع القرار في الشركات؛ ليصمموا خططهم ويقيسوا تقدمهم بناءً على مؤشرات واضحة، فما الفرق بين الكفاءة والفاعلية؟ وكيف تُحققهما في بيئة العمل؟
يعبر كاتب الاقتصاد الأمريكي بيتر دراكر Peter Drucker عن هذا الفرق بمقولته: «الكفاءة هي فعل الأمور بطريقة صحيحة، أما الفاعلية فهي فعل الأمر الصحيح». وأتفهم هنا الارتباك الذي يمكن أن يحدث بسبب تشابه الكلمات، لذلك دعني أُبسط لك المفهومين بمثالٍ توضيحي.
مثال: لنفترض هنا أن «زياد» طالب جامعي في السنة الدراسية الأولى ويرغب بالحصول على تقدير امتياز A.
إذا ذاكر زياد وحقق هذا الهدف في نهاية السنة، فيمكننا في هذه الحالة الإقرار بأن زياد ذاكر بفاعلية بغض النظر عن الوقت والمجهود الذي بذله، فربما ذاكر زياد في اليوم 6 ساعات أو أكثر لمدة 3 شهور مثلًا واشترى 10 كتب دراسية للحل والمراجعة، المهم هنا أنه حقق في النهاية هدفه ورؤيته؛ أي الفعل الصحيح.
أما إذا اتبع زياد طريقة دراسية معينة جعلته يُقلص عدد ساعات مذاكرته اليومية إلى 3 ساعات فقط لمدة شهرين مثلًا، واعتمد كذلك على 4 كتب أو أقل، فعندئذٍ يمكننا القول بأن زياد ذاكر بكفاءة؛ لأنه قلل من عدد الساعات المطلوبة والجهد المبذول وتكلفة المواد الدراسية، وفي الوقت نفسه حقق النتيجة المرجوة، لأنه اتبع طريقة صحيحة.
لذلك يمكننا تعريف الفاعلية هنا بناءً على المثال السابق على أنها الصورة النهائية أو النتيجة العامة التي ترغب في تحقيقها في شركتك أو مشروعك؛ فإذا كنت على سبيل المثال مديرًا للمبيعات وأردت بيع 100 منتج في هذا الشهر وحققت بالفعل هذا الهدف؛ فهذا معناه أنك أدرت فريقك بفاعلية.
وبذلك يمكننا الاتفاق على أن الفاعلية تهتم بتحقيق الأهداف المرغوبة دون التركيز على الطريقة التي ستُحقق بها هذه الأهداف، وهذا أحد أهم الاختلافات التي توضح لنا الفرق بين الكفاءة والفاعلية.
وهنا يحضرني المثل المشهور «كل الطرق تؤدي إلى روما»، ومفاد ذلك هنا بأنك إذا وصلت إلى روما، فأنت وصلت بفاعلية. أما إذا اتبعت أقصر طريق وحجزت طائرة مباشرة بتكلفة تنافسية، فهذا معناه أنك وصلت بكفاءة.
أما معنى الكفاءة في إدارة الأعمال فيشار إليه بالآلية أو الطريقة التي ستدير بها خططك. والهدف من الكفاءة هو تحقيق النتائج المرغوب بها بأقل تكلفة ممكنة، سواء أتم ذلك باختصار للوقت أو المجهود أو تقليل في تكلفة المنتجات أو الموارد المُدارة. وبصيغة أخرى، تُركز الكفاءة على الكيفية التي ستتبعها لإنجاز المهام والأهداف التي تريدها.
أتفق معك؛ إذ تشترك الكفاءة والفعالية معًا في الكثير من الأمور كما أوضحت بالأعلى ولكن على الرغم من ذلك فإنهما غير مترابطان دومًا؛ لأنه يمكن أن تتميز إدارتك بالكفاءة دون أن تحقق الأهداف المرجوة، مما يُفقدك الفاعلية Effectiveness.
مثال: لنفترض هنا وجود شركة اتصالات تغطي خدماتها معظم مناطق المملكة العربية السعودية، ولكنها تُقدم باقات لا تتناسب مع احتياجات العميل، أو لا تُزودهم بخدمة عملاء مقبولة. ربما تحافظ الشركة في هذه الحالة على كفاءتها؛ لأنها تقدم هذه الخدمات بتكلفة قليلة ولا تتحمل رسومًا تشغيلية مرتفعة. ومع ذلك، فقد فقدت إدارة هذه الشركة فعاليتها؛ إذ إنها فشلت في سد احتياجات العميل والحصول على ثقته، مما يجعلها لا تُحقق الأهداف المطلوبة.
والعكس صحيح أيضًا؛ فقد تحقق الشركة رؤيتها وخططها، ولكن من أجل تحقيق ذلك تستهلك الكثير من الموارد وتهدر طاقتها وأموالها. وبذلك يمكننا وصف هذه الإدارة بالفاعلية مع أنها تفتقر إلى الكفاءة Efficiency.
مثال: هنا تحضرني قصة جحا حينما سأله أحد الأشخاص عن أذنه، فمرر جحا يده اليمنى فوق رأسه ليشير إلى أذنه اليسرى، مع أن أذنه اليمنى كانت أقرب إليه. في هذه الحالة، حقق جحا النتيجة المرجوة وأجاب عن سؤال جليسه بفاعلية، ولكنه لم يجب عن ذلك بكفاءة.
وبعيدًا عن هذه القصة الطريفة التي وضعتها لأبسط الفروقات، دعنا نطلع على الفقرة التالية التي تؤكد المفاهيم التي شرحتها مسبقًا حتى نستطيع استيعاب أوجه الاختلاف بين الكفاءة والفاعلية في بيئة العمل بدقةٍ أكثر، إضافةً إلى الفروقات بينهما وبين مصطلح الإنتاجية.
تشير الإنتاجية إلى المعدل الذي تنتج أو تصنع أو تقدم فيه شركة معينة خدماتها، وعادةً ما يتحكم في الإنتاجية العديد من العوامل، مثل: عدد الأشخاص المسؤولين، وكمية المواد المطلوب تجهيزها، وعدد ساعات العمل. وهي تعتمد اعتمادًا رئيسيًا على العلاقة بين المدخلات والمخرجات.
أما الكفاءة فهي تختص بالتركيز على عدم إهدار الموارد واستخدام أفضل الأساليب للمحافظة على الوقت والطاقة والأموال. في حين نستطيع وصف الإدارة في بيئة العمل بفاعليتها إذا كانت قادرة على تحقيق النتائج المرغوب بها.
ويمكن التركيز هنا على الفرق بين الكفاءة والفاعلية بما يلي:
وينبغي العلم هنا أن التوازن بين الكفاءة والفاعلية هو ما يُحقق نجاح المؤسسة ويحافظ على إنتاجيتها؛ فليس ما يهم فقط أن تصل إلى أهدافك، بل كيفية الوصول إليها وكمية الموارد التي تستهلكها أساسي أيضًا، خاصةً إذا كان هدفك الحصول على منافسة مستدامة ووضع إستراتيجيات دقيقة تضمن لك أقصى استفادة.
ومن المهم أن ننظر أيضًا إلى مؤشرات الأداء الرئيسية Key Performance Indicators حين نتفحص الفرق بين الكفاءة والفاعلية. على سبيل المثال، قد تكون مؤشرات الأداء المطلوبة في شركتك هي زيادة الأرباح أو زيادة عدد العملاء الجدد.
في هذه الحالة إذا وضعت إستراتيجية معينة، يمكنك قياس فعالية هذه الإستراتيجية عن طريق عدد العملاء الذين اشتركوا في خدماتك. وستتمكن كذلك من تقييم كفاءة الإستراتيجية بحساب التكلفة المنفقة والوقت المستغرق لجذب هذا العدد الجديد من العملاء.
حين تفكر في إجابة هذا السؤال، ستجد أنه يتضمن المقارنة بين الوصول إلى النتائج المرادة بغض النظر عن التكلفة المبذولة، أو الوصول إلى نتائج متواضعة بتكلفة قليلة. وفي الحقيقة، في عالم الأعمال، يندر أن يفترق المصطلحان، لأنه من المهم تحقيق النتائج المطلوبة بأقل تكلفة ممكنة؛ حتى يزدهر العمل ويمتلك فرصةً للنمو والمنافسة.
لذلك من الضروري أن تدمج إستراتيجيات الكفاءة والفعالية معًا بنسبٍ متوازنة، مع توقع اختلاف هذه النسبة من وقتٍ لآخر تبعًا للمناسبة والمنافسة. على سبيل المثال، قد تتحمل الشركات تكاليف إضافية لحملاتها الإعلانية في شهر رمضان؛ حتى تتضمن المشاركة في السباق الرمضاني ومزاحمة الشركات المنافسة. وفي هذه الحالة، ترتفع التكلفة ولكن هذا من أجل تحقيق هدف محدد.
من المهم أن يدرك كل شخص في فريق العمل الفرق بين الكفاءة والفاعلية حتى تنجح الشركة في الوصول إلى أهدافها والمحافظة على مواردها، لذلك لا يُفضل أن تقتصر معرفة هذه المعلومات على قائد الفريق فقط، لأنه كما قال الكاتب الأمريكي ستيفن كوفي Stephen Covey مؤلف كتاب العادات السبع للناس الأكثر فعالية:
«المنظمة المتمكنة هي مَن يتمتع فيها أفرادها بالمعرفة والمهارة والرغبة والفرصة للنجاح الشخصي بطريقة تؤدي إلى النجاح التنظيمي الجماعي».
لذلك فإن كفاءة وفاعلية أي شركة تنتج من كفاءة وفاعلية أفرادها وقدرتهم على رؤية الأهداف رؤيةً صحيحة، والتوجه إليها بإستراتيجيات تحافظ على الوقت والمجهود والموارد. وبذلك، يكون السؤال الذي ينبغي علينا طرحه هنا: كيف يمكن أن تُحسِّن من فاعلية إدارتك وكفاءتها فعلًا؟
من المفيد أن تبدأ في تحديد أولوياتك وأهداف الإدارة التي تبتغيها بدقة، ومن ثم أنصحك هنا بالانطلاق في إعداد إستراتيجية مرنة للوصول إلى تلك الأهداف. وستستطيع من خلال اتباع هذا الأسلوب الجمع بين الكفاءة والفاعلية.
قد تفيدك الخطوات التالية في تسريع تلك العملية:
على سبيل المثال، إذا كنت قائدًا لفريق التوظيف في شركتك ولا زلت تنشر إعلانات التعيين على منصات التوظيف التقليدية أو شبكات التواصل الاجتماعي، فلديك فرصة لتعزيز إنتاجيتك ورفع كفاءتك من خلال الانتقال إلى منصات التوظيف الذكية، التي تسرع من عملية إيجاد المرشحين المناسبين في وقت قياسي ودون الحاجة لإضاعة وقتك ومجهودك.
كما بت تعرف الآن، هناك فرق بين الكفاءة والفعالية في بيئة العمل. يمكن تلخيصه وتوضيحه في هذا المثال الأخير؛ لنفترض هنا وجود مصنع سيارات يُنتج 100 آلاف سيارة. يمكن للمصنع أن يُحسِّن من كفاءته إذا قلل تكاليفه التشغيلية واستخدم آلات مناسبة تُسرع من عملية التصنيع، عندئذٍ يمكن القول إن المصنع يتميز بالكفاءة.
أما مفهوم الفاعلية فيمكن أن يُقال على المصنع ما دام يُنتج 100 آلاف سيارة بغض النظر عن المدة المستغرقة أو التكلفة المنفقة لتحقيق ذلك. يتعلق مفهوم الفاعلية بتحقيق الهدف النهائي أو الأساسي دون النظر إلى الطريقة التي اُتبعت للوصول إلى ذلك.
وفي كل الأحوال، نحن نتفق على أن معرفة الفرق بين الكفاءة والفاعلية مهم جدًا في تقييم أداء الشركة ورؤية المناطق التي يمكنك العمل على تحسينها وتعزيز نقاط قوتها. وكلا المصطلحين مكملين لبعضهما في كثيرٍ من الأحيان، ومن المفيد أن يجتمعا معًا بتوازن.
أخيرًا، ما الصفات الأخرى التي تراها ضرورية لتعزيز جودة الإدارة في شركتك؟