الرئيسية
\
المقالات
\

إنشاء علامة تجارية لصاحب العمل: مفهوم عصري أم استراتيجية رابحة حقيقية؟

بواسطة 
منجية إبراهيم

يجلب التحول العميق في سوق العمل تحديات كبيرة لأقسام الموارد البشرية (الاحتفاظ بالموظفين، حرب المواهب، صحة الموظف وعافيته..، وما إلى ذلك)، ولا سيما في سياق المنافسة القوية في السوق، ومع ذلك، وبعيدًا عن ممارسات الموارد البشرية نفسها، يمكن أن يُشكّل إنشاء علامة تجارية قوية لصاحب العمل رصيدًا حقيقيًا لجاذبية الموظفين وولائهم والتزامهم وتحفيزهم.

لا يمكن فصل العلامة التجارية لصاحب العمل عن العلامة التجارية المؤسسية (في بعض الحالات)، فهي في الواقع العلامة التي تنقل جميع خصائص صورة المنظمة إلى موظفيها الحاليين والمحتملين، نتطرق في هذا المقال إلى العلامة التجارية لصاحب العمل، وكيف تنجح في تنفيذ استراتيجية إنشاء علامة تجارية ناجحة لصاحب العمل.

ما هي العلامة التجارية لصاحب العمل؟

هي استراتيجية تغطي مفهوم سمعة الشركة وقيمها وتنظيمها واتصالاتها وما إلى ذلك مع الجمهور الداخلي والخارجي للكيان، غالبًا ما تركز العلامة التجارية لصاحب العمل على توظيف مواهب جديدة، وربما قبل كل شيء طموحًا عميقًا للشركة بأن يشعر موظفوها -الحاليون أو المحتملون- بالرضا في مناصبهم وكيانهم.

وبالتالي، فهي لا تشمل الإدارة الداخلية للموارد البشرية فحسب، بل تشمل أيضًا جميع أصحاب المصلحة الخارجيين ذوو الصلة مثل: شركاء التوظيف المختلفين، والمرشحين..، وما إلى ذلك.

ملحوظة: احرص على عدم الخلط بين العلامة التجارية لصاحب العمل والعلامة التجارية للشركة، إذ تتعلق الأخيرة بالمنتجات/الخدمات التي تقوم الشركة بتسويقها وهي ليست جزءًا من الموارد البشرية.

تاريخ ظهور مفهوم العلامة التجارية لصحاب العمل

يعتقد 72% من مدراء التوظيف حول العالم أن إنشاء علامة تجارية لصاحب العمل لها تأثير كبير على فعالية التوظيف في الشركة، ولكن كيف يمكننا تفسير هذا الحماس لمفهوم لم يكن أحد يعلم بوجوده حتى وقت قريب؟ في الوقت الذي أصبح فيه من الصعب بشكل متزايد الاحتفاظ بالمواهب وحيث تلعب سمعة الشركات دورًا رئيسيًا في البحث عن الكفاءات، أصبح الاهتمام بإنشاء علامة تجارية لصاحب العمل أمرًا ضروريًا.

مباشرة من الولايات المتحدة، العلامة التجارية لصاحب العمل هي مفهوم ظهر في التسعينيات، وقد تم ذكره لأول مرة في مؤتمر الإدارة، حيث حدد تيم أمبلر وسايمون بارو الخطوط العريضة:  "الفكرة هي تطبيق تقنيات إدارة العلامة التجارية (التسويق) على إدارة الموارد البشرية" وبالتالي سيكون هناك تآزر قوي بين دور إدارة التسويق ودور  إدارة الموارد البشرية.

لماذا من الضروري تنفيذ مثل هذه الاستراتيجية؟

يتساءل كثيرون: لمّ أصبح من المهم إنشاء علامة تجارية لصاحب العمل في العصر الراهن؟

ظهور التقنيات الجديدة، تطور العقليات، السياق الاجتماعي والاقتصادي والثقافي... كل هذه المعطيات تتسبب في تطور المجتمع والعقليات، إضافة إلى وسائل التواصل الاجتماعي، وتكنولوجيا الهاتف المحمول، وأجيال Y،Z...، كلها عناصر يجب أخذها في الاعتبار عندما تريد أن تظل شركتك مستدامة وتنافسية وجذابة، ولم يعد هناك أي مجال اليوم لتقبل أي شركة بأي صورة سلبية معينة تطاردها على الوسائط الرقمية، إذ يجب على الشركات أن تبرز من بين الحشود وأن تغري من خلال عرض القيم المشتركة، لأن الأجيال الجديدة التي خرجت حديثا من النظام المدرسي تطالب بشكل خاص بهذه النقطة الأخيرة.

واليوم، تتغير توقعات المرشحين والموظفين بسرعة، وينبغي على الشركات أن تتكيف لتظل جذابة. وفقًا لمسح روبرت هاف الذي أُجري عام 2023، يعد الالتزام بالثقافة المؤسسية أحد الدوافع التي تشجع الموظفين على البقاء في شركتهم (+6 نقاط مقارنة بنهاية عام 2022).

ولتلبية هذه الضرورة، يجب على الشركة إعادة التفكير في ممارساتها وتطوير استراتيجيات علاقات حقيقية داخليًا، مع موظفيها، وكذلك خارجيًا، مع المرشحين المستقبليين، وغني عن القول أن إدارات الموارد البشرية معنية منذ عدة سنوات، وكان عليهم التكيف؛ ليس فقط مع التغيير الذي في عمليات توظيف المواهب الجديدة، ولكن أيضًا فيما يتعلق بالاحتفاظ بالموظفين الموجودين بالفعل في الشركة، ومع ذلك، لكي تثبت هذه الاستراتيجية نجاحها، يجب التعامل معها كنهج شمولي لصورة الشركة، ولا يمكن أن يقتصر الأمر على مسائل التوظيف، كما هو الحال في كثير من الأحيان.

قد يهمك: دليل استقطاب الكفاءات في المملكة السعودية

كيف تطور جاذبية عملك من خلال إنشاء علامة تجارية لصاحب العمل؟

لا يمكن تنفيذ مثل هذا النهج دون تحديد المبادئ ووضع الأسس أولًا، لكي نأمل في جذب أفضل الأشخاص والاحتفاظ بهم، من الضروري إظهار صورة جيدة للشركة ومعرفة كيفية تطويرها، فمن الذي قد يرغب في الانضمام إلى كيان ذو سمعة سيئة؟ بين منظمة يكون فيها الموظفون سعداء وأخرى يعمل فيها الموظفون على مضض، فإن الفرق محسوس ومرئي بشكل صارخ من الخارج! بالإضافة إلى ذلك، يعلم الجميع الآن أن شبكات التواصل الاجتماعي تصنع السمعة وتدمرها في جزء من الثانية، حيث تنتشر الصراعات والشائعات، والأشياء السيئة كالنار في الهشيم عبر شبكات التواصل الاجتماعي.

علاوة على ذلك، من الضروري أن يتم تنفيذ ما يتم تسليط الضوء عليه والترويج له من الخارج بالفعل من قلب الشركة، ما هو أسوأ من واجهةٍ رائعة وجذابة تهرع إليها وبمجرد دخولك إلى المتجر، تكتشف العكس! إن الشركة التي لا ترقى إلى مستوى ما تدعو إليه ستكون أقل مصداقية، وسوف يشعر المرشحون الجدد، مثل أولئك الموجودين في مناصبهم، بخيبة أمل، الأمر الذي سيؤدي حتمًا إلى الإضرار بصورة الشركة التي ستجد نفسها مشوهة بشدة... وبمجرد حدوث الضرر، في الوقت الحاضر، من الصعب استعادة صورتها في أعين الجميع.

كيف تنفذ استراتيجية إنشاء علامة تجارية لصاحب العمل بنجاح؟

إن العمل على إنشاء علامة تجارية لصاحب العمل يعني تنفيذ تفكير استراتيجي يضع الموظف/المرشح في المركز بهدف الحصول على هوية مميزة ومقروءة، تساعد في جذب الموظفين والمرشحين المحتملين، فيما يلي بعض أفضل الممارسات لتتمكن من إنشاء علامة تجارية لصاحب العمل بنجاح:

تحديد أفضل عوامل الجاذبية للشركة

من الضروري تحديد العوامل التي تجعل منشأتك جذابة للمرشحين، مثل الرؤية والرسالة، والسمعة، والقيم التي تتماشى مع قيم المرشحين المطلوبين، والأصالة، والثقافة المشتركة، وديناميكيات الابتكار، وتحديات التحول، وما إلى ذلك.

إشراك الإدارة العامة

وذلك بالإضافة إلى فرق التسويق والاتصال التي تعمل أيضًا على العلامة التجارية المؤسسية، والإدارات التشغيلية المختلفة، إذ لا يمكن للموارد البشرية وحدها تنفيذ مشروع يكون بطبيعته شاملًا للمنظمة بأكملها.

تصميم موقع إلكتروني عالي الجودة

يلبي الممارسات والاتجاهات، وأيضًا المعايير والمتطلبات الفنية الحالية، ومريح، مع معلومات واضحة ومرجعية على النحو الأمثل، وما إلى ذلك. إذ يُعتبر الموقع الإلكتروني أحد جهات الاتصال الأولى. ولذلك فمن الضروري للشركة أن تجعلها تتوافق مع الصورة التي ترغب في نقلها.

صفحات ديناميكية وجذابة على مختلف شبكات التواصل الاجتماعي

مثل الموقع الإلكتروني، لا يعقل اليوم ألا تكون هناك صفحات مخصصة للشركة على مختلف الشبكات، يتيح لك ذلك التواصل بشكل فعال وبطريقة أكثر استهدافًا.

استجابة ممتازة للرسائل والتفاعلات على الإنترنت

الرد على التعليقات، الاعتذار عن الأخطاء، رسائل التهنئة.. وغيرها من الممارسات هي علامة على الديناميكية، ولكنها أيضًا علامة على الاحترام والشفافية والعناية بصورة الشركة المؤسسية.

تنظيم ألعاب الأعمال

مثل التحديات، والهاكاثون، وما إلى ذلك من الأنشطة المختلفة، والتي تحظى بشعبية كبيرة وبتقدير أكبر، وتوفر هذه التجارب للمرشحين و/أو الموظفين الموجودين بالفعل في مناصبهم الفرصة للكشف عن أنفسهم بشكل مختلف عن دورهم المعتاد، والتعبير عن مواهبهم، وإظهار جوانب مختلفة من قدراتهم  الشخصية، كما ويسمح ذلك أيضًا للقائمين بالتوظيف بالحصول على صورة أوسع -وبالتالي أكثر عدالة- واكتشاف المواهب غير المتوقعة أو المكبوتة إلى حد ما لدى موظفيهم أو المرشحين لمنصب في مؤسستهم.

وفي الوقت نفسه، من الضروري عند إنشاء علامة تجارية لصاحب العمل أن نولي اهتماما خاصا للنقاط التالية:

التركيز على تجربة الموظف

من الضروري ضمان تجربة توظيف أفضل للمرشحين، من خلال تحديد مسارات التوظيف والحياة المهنية داخل المنظمة.

ترحيب لا تشوبه شائبة

سواء عند وصول موظف جديد تمامًا، للترحيب شخصيًّا أو هاتفيًا بالمرشحين لشغل منصب في الشركة (الانطباع الأول يمكن أن يكون له تأثير كبير) أو لاستقبال مسؤول التوظيف (وأيضًا الزوار/العملاء/الموردين...).

إرساء مبادئ الاحترام

من خلال الاستجابة، على سبيل المثال، خلال حملة التوظيف، لجميع المتقدمين، إذا استغرق المرشح وقتًا للتقديم، فإن الحد الأدنى هو إعطاؤه ردًا، وبخلاف ذلك، فإن الانطباع الذي ستكونه قد كونتّه هو: (شركة لا تحترم البشر).

الرفاهية في العمل

الجو العام، وبيئة العمل الإيجابية، والإضافات الصغيرة مثل إضافة ركن للقهوة، أو غرفة للاسترخاء، أو مختلف الخدمات المتعلقة بتحسين بيئة العمل، على سبيل المثال، أو إمكانية العمل عن بعد بشكل منتظم أو عرضي، أو غيرها من الأنشطة التي تعزز رفاهية الموظفين في الشركة.

مستوى الرواتب والمزايا (رواتب، مكافآت، مزايا اجتماعية، إلخ)

من الضروري التأكد أن مستوى المكافآت التي تقدمها الشركة مرتفع مقارنة بمنافسيها، إذ من الواضح أن هذا يعد أحد الأصول الهامة للعلامة التجارية لصاحب العمل والتي تجذب المرشحين، وتساعد في استبقاء الموظفين الحاليين.

ختامًا

تعتبر العلامة التجارية لصاحب العمل بمثابة ناقل صورة للكيان العام، وعنصرًا أساسيًا في استراتيجية التوظيف في الشركة، وهي أداة رائدة للموارد البشرية لتطوير جاذبيتها، وبمجرد تحديد استراتيجيتها، فإنها تشكل إطارًا لتطوير حضور متماسك، لا سيما على الشبكات الرقمية والاجتماعية، وفي السياق الحالي لصعوبات التوظيف، أصبح من الضروري إنشاء علامة تجارية لصاحب العمل والحفاظ عليها لجذب المرشحين والاحتفاظ بالموظفين والتميز في سوق تنافسي كبير.