الرئيسية
\
المقالات
\

بين كفاءة التوظيف وتوظيف الكفاءات

بواسطة 
أحمد البربري

في سوق العمل التنافسي الحالي تنفق المنشآت الكثير من الوقت والموارد والمال من أجل ضمان أن توفر جهود الفحص والمقابلات والاختيار مرشحين ذوي كفاءة عالية قادرين على تحقيق النتائج المرجوة. قد تبدو كّلِمَة الكفاءات بديهية للوهلة الأولى، إلا أن المتمرسين في الموارد البشرية يعرفون ماذا تعني هذه الكلمة جيدًا، ويدركون كذلك كيف تتجمع مكوناتها في الأشخاص المناسبين للوظائف الشاغرة لديهم.

في هذا المقال سوف نتناول بالتفصيل مفهوم توظيف الكفاءات، وسنتطرق إلى مفهوم الكفاءة وكيف يتحقق، وكيف يمكن لموظفي الموارد البشرية قراءة دلائله وكل ما يتعلق بالتوظيف القائم على الكفاءات.

ما المقصود بالكفاءات؟

لا يتعلق الأمر بالـتأهيل العلمي وسنوات الخبرة فحسب، في الواقع فإن فكرة الكفاءة تقابلها حُزْمَة من المواصفات والمهارات الشخصية والمهنية إضافة إلى التأهيل العلمي والخبرة المهنية، يشبه الأمر تركيب تُرْس في آلة كبيرة، لا يكفي فقط أن يكون التُّرْس مصنوعًا بدقة وجودة عاليين، ولكن لا بد وأن يكون ملائمًا للموضع الذي سيتم فيه تركيبه، وقابلاً للحركة مع "التروس الأخرى" لتعمل الآلة الكبيرة.

بعبارات أكثر تحديدًا فإن توظيف الكفاءات يقتضي التحقق من مجموعتين من مواصفات المرشح:

ماذا يعني توظيف الكفاءات؟

بالنظر إلى المكونات الأربع للكفاءات في الفِقْرة السابقة، يمكننا أن ندرك أن توظيف الكفاءات ما هو إلا محاولة البحث عن "التوليفة" المثالية من المواصفات الشخصية والمهنية المناسبة لكل وظيفة والمتوافقة مع ثقافة المنشأة ورؤيتها وأهدافها. بشكل أكثر تحديدًا يتم تحديد الكفاءات الأساسية للفرد من خلال مجموعتين من العوامل: (1) المهارات والمعرفة والمؤهلات التقنية، (2) الخصائص السلوكية وسمات الشخصية والقدرات الفردية. 

منهج التوظيف القائم على الكفاءات

تم تقديم مصطلح الكفاءة الأساسية Core Competency أساسًا في عام 1990 من قبل مجلة Harvard Business Review لوصف مفهوم إدارة المنشآت التي تمتلك خبرة متخصصة في مجال معين. تبنت المنشآت بسرعة مفهوم الكفاءات الأساسية للتعريف بنجاحاتها والاستفادة من المزايا التنافسية لعلاماتها التجارية، ومنذ ذلك الحين، طبقت الكفاءات الأساسية على جوانب أخرى من الإدارة وأصبحت استراتيجية رئيسية في عملية التوظيف. 

على الرغم من أن التوظيف التقليدي قد ركز في المقام الأول على تقييم مهارات المرشح ومؤهلاته الفنية، إلا أن النهج القائم على الكفاءات يتضمن -بالإضافة إلى النهج التقليدي- تحليلاً للخصائص السلوكية للمرشح أيضًا. يرتكز التوظيف القائم على الكفاءة على تحديد الكفاءات الأساسية المطلوبة للنجاح والتقييم اللاحق لإظهار كل مرشح لتلك الكفاءات في تجاربه السابقة. 

من منظور التوظيف، هناك نوعان مختلفان من الكفاءات الأساسية: خاصة بالوظيفة والتنظيمية. فِي ما يلي نظرة عامة موجزة عن كل نوع.

  • الكفاءات الخاصة بالوظيفة: وتشير إلى القدرات والخصائص السلوكية المطلوبة للنجاح في دور معين. قد تتضمن هذه الخصائص سمات أسلوب عمل الفرد بالإضافة إلى الصفات الشخصية مثل كونه تحليليًا أو واسع الحيلة أو مرنًا أو مبدعًا.
  • الكفاءات المؤسساتية: وتشير إلى الصفات والسمات التي تميز النجاح عبر المنشأة بِرُمَّتها وتشمل هذه الكفاءات التي تتناسب مع أسلوب إدارة المنشأة، وتحمل المخاطر، ووتيرة العمل وحجمه، والتركيبة الديموغرافية للموظفين، والبيئة المادية. تلعب الكفاءات المؤسساتية دورًا رئيسيًا في تحديد نوع الأشخاص الذين يلائمون المنشأة، بِغَضِّ النظر عن أدوارهم المحددة. على سبيل المثال: قد لا ينجح المدير البيروقراطي المستقل في دور إداري في منظمة غير ربحية ذات ريادة أعمال عالية حيث يتم اتخاذ جميع القرارات بالإجماع.

كيف يتم إجراء التوظيف القائم على الكفاءات؟

تتمثل الخطوة الأولى في اعتماد نهج التوظيف القائم على الكفاءة في تحديد كل من الكفاءات المؤسساتية والخاصة بالوظيفة المطلوبة لمنصب معين. 

  • لتحديد الكفاءات المؤسساتية نوصي بعقد مجموعة فحص، أو تنفيذ استطلاع يتم إعداده بعناية لتحديد أهم 3-5 خصائص أو سمات تجعل شخصًا ما ناجحًا داخل المنشأة. تحقق من تضمين جميع الأطراف الرئيسية المعنية بالأمر Stakeholders -بما في ذلك الإدارة والموظفين وأعضاء مجلس الإدارة والممولِين والمكونات الأخرى حسبما تقتضي الضرورة. 
  • من أجل تحديد الكفاءات الخاصة بالوظيفة. ستحتاج إلى تنفيذ الإجراء السابق نفسه  مع التركيز على أولئك الذين يعرفون الوظيفة بشكل أفضل. قد يكون من المفيد أيضا تحديد الكفاءات الخاصة بالقسم، خاصة بالنسبة للأقسام عالية التخصص مثل الإدارة المالية أو تطوير الأعمال.
  • بعد تحديد الكفاءات لمنصب معين، يمكنك استخدام هذه المعلومات لتغذية جميع المراحل اللاحقة من عملية التوظيف والتعيين. على سبيل المثال، يجب أن يركز الوصف الوظيفي الخاص بك على الكفاءات الأساسية التي سيُظهرها المرشحون الناجحون، وليس فقط المؤهلات الأكاديمية أو التقنية. فيما يتعلق بالتوظيف، سيؤدي التركيز على الكفاءات الأساسية إلى مجموعة أوسع من المرشحين لأنك ستبحث عن محترفين يمتلكون الكفاءات المطلوبة لمنصب ما ولكنهم قد يأتون من خلفيات أقل تقليدية. لمعرفة المزيد حول تطوير استراتيجية البحث وخطة التوظيف

يمكن لاستخدام الكفاءات الأساسية كإطار لمراحل الفرز وإجراء المقابلات في عملية التوظيف أن يوفر معلومات أكثر أهمية مما قد توفره ينتج مقارنة المرشحين مع قائمة المتطلبات أو تقييم ما إذا كان مدير التوظيف "يعجبه" المرشح. وهنا نوصي باستخدام المقابلات السلوكية، التي تشير إلى طرح الأسئلة التي تتطلب من المرشحين وصف التَجَارِب السابقة التي تمكنوا عبرها من إظهار كفاءات محددة.

استنادًا إلى فرضية أن السلوك السابق يتنبأ بالسلوك المستقبلي فقد وجدت الأبحاث والتجارب أن المقابلات السلوكية هي طريقة أكثر فاعلية لقياس كيفية أداء كل مرشح في أنواع معينة من المواقف، ومن ثم مدى نجاح كل منهم في دور معين.

4 فوائد التوظيف القائم على الكفاءات

1. القضاء على التحيز

تظهر إحصاءات التنوع في مكان العمل أن 76٪ من الموظفين والباحثين عن عمل قالوا إن التنوع مهم عند تقييم عروض العمل. لذا فإذا كانت عملية التوظيف الخاصة بك متحيزة فإنك تكون مُعَرَّضًا لفقد المرشحين المتميزين والفشل في بناء القُوى العاملة المتنوعة التي يتوقعها المرشحون. 

يسمح إجراء المقابلات والتقييم على أساس الكفاءة لمسؤولي التوظيف ومديري التوظيف بالتركيز فقط على نقاط القوة والسلوكيات التي يعرفون أنها ستجعل المرشح ناجحًا. بالإضافة إلى ذلك، فإنه يزيد من العدالة من خلال ضمان قيام فرق التوظيف بتقييم المرشحين بناء على نفس معايير الكفاءة من خلال عملية مقابلة منظمة.

2. الحصول على مرشحين أفضل

تساعد أنظمة التوظيف القائمة على الكفاءة فرق التوظيف على وضع معايير تقييم للمرشحين، مما يزيد من جودة المرشحين الذين يتم إجراء المقابلات الشخصية معهم. غالبًا ما يكون المرشح الذي يتمتع بالمزيج الصحيح من الكفاءات الأساسية والذي يفتقر إلى الخلفية التعليمية التي تبحث عنها مناسبًا بشكل أفضل من المرشح الذي يتمتع بكفاءات أقل وتعليم مناسب. كانت هذه هي النتيجة التي توصلت إليها دراسة كلية ’’ مينيابوليس‘‘، حيث أدَّى إلغاء بعض المتطلبات إلى جلب مرشحين يتمتعون بمهارات أكثر صلة من أفضل المرشحين الذين تم العثور عليهم  بواسطة طرق التوظيف التقليدية.

  • أولًا: لوضع المعايير، قيم الموظفين الذين نجحوا بشكل خاص في كل وظيفة باستخدام بيانات السيرة الذاتية ومراجعات الأداء وتقييمات الزملاء وغيرها من المعلومات. 
  • ثانيًا: حدد الكفاءات الأساسية التي يشترك فيها هؤلاء الموظفون. 
  • أخيرًا، أنشئ قائمة بكفاءات الموظفين المثبتة المطلوبة لكل دور لتضمينها في تقييمات المرشحين المستقبلية.

يمكن لمسؤولي التوظيف استخدام المعايير لكتابة أوصاف وظيفية دقيقة وتسريع عملية الاختيار. بالإضافة إلى ذلك، تساعد الكفاءات الأساسية مسؤولي التوظيف على فحص المرشحين بشكل أكثر كفاءة، واستبعاد المرشحين الذين من غير المرجح أن يكونوا مناسبين بالقدر المطلوب واكتشاف أولئك الذين ربما تم تجاهلهم.

3. تحسين الاحتفاظ بالموظفين

قلل من فرص فقدان أفضل الأشخاص لديك من خلال التوظيف القائم على الكفاءات. إحصائيًا فإن المنشآت التي توظف على أساس المهارات تكون أكثر عرضة بنسبة 98٪ للاحتفاظ بأدائها العالي. كما أنهم أكثر عرضة بنسبة 107٪ لوضع المرشحين في الأدوار المناسبة. باختصار، فإن اختيار المرشحين بناء على أفضل ما لديهم يجعل من المرجح أن توظف أفضل شخص على الإطلاق لكل دور.

يمكن أن يؤدي التوظيف على أساس الكفاءات إلى مخرجات إضافية من شأنها تعزيز الاحتفاظ بالموظفين، ومنها:

  • برامج تدريب وتطوير أكثر فعالية تستهدف الفجوات في المهارات.
  • قرارات أفضل بشأن التوظيف الداخلي والترقيات.
  • تقديم تعويضات تنافسية على أساس المهارات.
  • تقييم الأداء بدقة وتقديم ملاحظات محددة ومفيدة.

4. تحسين الأداء التنظيمي

تزدهر منشأتك بأكملها عندما تتخذ خيارات التوظيف التي تأخذ الكفاءات في الاعتبار. ثبت أن التوظيف الذي يضع أولوية الحصول على مهارات قبل التعليم الرسمي أو الخبرة له نتائج ممتازة. يساعد على تحسين الإنتاجية وبناء ثقافة المنشأة وزيادة المرونة والابتكار.

بعبارة أخرى، فإن المنشآت التي تركز على التوظيف والتكليف بالمهام بناء على مهارات موظفيها ونقاط قوتهم تتسم بما يلي:

  • إنتاجية أعلى
  • قابلية أكبر لتقديم تجرِبة إيجابية للموظفين
  • فرص ونطاقات أوسع للابتكار
  • قدرة أكبر على توقع التغيرات والتكيف معها بشكل فعال

كيف يمكنك إجراء التوظيف بكفاءة وفاعلية أكبر؟

في حين أن استراتيجيات العصف الذهني للتوظيف هي الخطوة الأولى، فإن التحدي الحقيقي يكمن في تفعيلها. فيما يلي بعض الإرشادات للحصول على تجربة توظيف أكثر كفاءة وفاعلية:

  • فهم احتياجات التوظيف في منشأتك: من الأهمية بمكان أن يكون لديك فهم واضح لما تحتاجه منشأتك فعليًا. وهذا يعني فهم الأدوار التي تحتاج إلى شغلها، والمهارات المطلوبة، ونوع المرشحين الذين يناسبون ثقافة منشأتك على أفضل وجه.
  • من الضروري تعريف المحاور الأساسية لتحديد أولويات البَدْء بالتوظيف: التوقيت أو التكلفة أو الجودة، وفقًا لكندرا جانيفسكي، المدير الإداري للموارد البشرية في Vault Consulting. على سبيل المثال، فإن تركيز استراتيجية التوظيف على توظيف أعلى المرشحين جودة بشكل أسرع سيعني المزيد من التكلفة باستخدام الباحثين عن الموظفين والموارد الإضافية لفحص المرشحين والمُضي معهم قُدُمًا في رحلة التوظيف.
  • راجع استراتيجيتك الحالية لاكتساب المواهب: خذ خطوة إلى الوراء وقيِّم استراتيجيات التوظيف الحالية بشكل نقدي. اكتشف ما ينجح وما لا ينجح. لن يساعدك هذا في تحديد مجالات التحسين فحسب، بل سيضمن أيضًا عدم تكرار أخطاء الماضي.
  • لا تحاول أن تفعل كل شيء دفعة واحدة: ركز أولًا على الاستراتيجيات أو التغييرات التي سيكون لها أكبر تأثير، وكذلك على المكاسب التي يمكن تحقيقها بسرعة، وهو ما يمكن أن يرفع الروح المعنوية مع توفير الزخم لمزيد من التغييرات.
  • جمع وتحليل ملاحظات المرشحين باستمرار، واتخاذ إجراءات بشأنها: عملية التوظيف هي طريق ذو اتجاهين. اجمع بانتظام تعليقات المرشحين لاكتساب معرفة قيمة حول خبراتهم ووجهات نظرهم. يمكن أن يسلط تحليل هذه التعليقات الضوء على مجالات التحسين، مما يساعدك على تطوير استراتيجيات التوظيف الخاصة بك وتقديم أفضل تجرِبة ممكنة دائمًا للموظفين المحتملين.
  • كن متسقًا: تُشَكِّل استراتيجيات التوظيف الخاصة بك وعملية التوظيف الشاملة تصورات المرشحين لمنشأتك كصاحب عمل. تحتاج إلى إنشاء رسائل مقنعة ومتسقة طوال مراحل التوظيف الخاصة بك لبناء ثقة المرشحين ووضع توقعات واضحة وفقًا لقيم منشأتك وثقافتها ورؤيتها.

ختامًا

العَلاقة بين كفاءة التوظيف وتوظيف الكفاءات هي عَلاقة متكاملة ومتداخلة، لا يمكن أن يكتمل طرف منها دون الآخر، يتطلب اعتماد نهج توظيف قائم على الكفاءات استثمارًا للوقت والجهد مقدمًا، ولكن هذا الاستثمار يستحق الجهد لأنه يمكنك من اتخاذ قرارات توظيف أكثر جودة. بعد إجراء التوظيف، تظل الكفاءات الأساسية مفيدة في تحديد الأهداف ووضع الموظفين الجدد لتحقيق النجاح، وتحديد مجالات التطوير المهني، واتخاذ القرارات المناسبة بشأن الترقيات والزيادات المستقبلية. تؤدي هذه العوامل إلى زيادة مشاركة الموظفين والاحتفاظ بهم، وهما سمتان مميزتان للمؤسسات الناجحة.