في سوق العمل التنافسي الحالي تنفق المنشآت الكثير من الوقت والموارد والمال من أجل ضمان أن توفر جهود الفحص والمقابلات والاختيار مرشحين ذوي كفاءة عالية قادرين على تحقيق النتائج المرجوة. قد تبدو كّلِمَة الكفاءات بديهية للوهلة الأولى، إلا أن المتمرسين في الموارد البشرية يعرفون ماذا تعني هذه الكلمة جيدًا، ويدركون كذلك كيف تتجمع مكوناتها في الأشخاص المناسبين للوظائف الشاغرة لديهم.
في هذا المقال سوف نتناول بالتفصيل مفهوم توظيف الكفاءات، وسنتطرق إلى مفهوم الكفاءة وكيف يتحقق، وكيف يمكن لموظفي الموارد البشرية قراءة دلائله وكل ما يتعلق بالتوظيف القائم على الكفاءات.
لا يتعلق الأمر بالـتأهيل العلمي وسنوات الخبرة فحسب، في الواقع فإن فكرة الكفاءة تقابلها حُزْمَة من المواصفات والمهارات الشخصية والمهنية إضافة إلى التأهيل العلمي والخبرة المهنية، يشبه الأمر تركيب تُرْس في آلة كبيرة، لا يكفي فقط أن يكون التُّرْس مصنوعًا بدقة وجودة عاليين، ولكن لا بد وأن يكون ملائمًا للموضع الذي سيتم فيه تركيبه، وقابلاً للحركة مع "التروس الأخرى" لتعمل الآلة الكبيرة.
بعبارات أكثر تحديدًا فإن توظيف الكفاءات يقتضي التحقق من مجموعتين من مواصفات المرشح:
بالنظر إلى المكونات الأربع للكفاءات في الفِقْرة السابقة، يمكننا أن ندرك أن توظيف الكفاءات ما هو إلا محاولة البحث عن "التوليفة" المثالية من المواصفات الشخصية والمهنية المناسبة لكل وظيفة والمتوافقة مع ثقافة المنشأة ورؤيتها وأهدافها. بشكل أكثر تحديدًا يتم تحديد الكفاءات الأساسية للفرد من خلال مجموعتين من العوامل: (1) المهارات والمعرفة والمؤهلات التقنية، (2) الخصائص السلوكية وسمات الشخصية والقدرات الفردية.
تم تقديم مصطلح الكفاءة الأساسية Core Competency أساسًا في عام 1990 من قبل مجلة Harvard Business Review لوصف مفهوم إدارة المنشآت التي تمتلك خبرة متخصصة في مجال معين. تبنت المنشآت بسرعة مفهوم الكفاءات الأساسية للتعريف بنجاحاتها والاستفادة من المزايا التنافسية لعلاماتها التجارية، ومنذ ذلك الحين، طبقت الكفاءات الأساسية على جوانب أخرى من الإدارة وأصبحت استراتيجية رئيسية في عملية التوظيف.
على الرغم من أن التوظيف التقليدي قد ركز في المقام الأول على تقييم مهارات المرشح ومؤهلاته الفنية، إلا أن النهج القائم على الكفاءات يتضمن -بالإضافة إلى النهج التقليدي- تحليلاً للخصائص السلوكية للمرشح أيضًا. يرتكز التوظيف القائم على الكفاءة على تحديد الكفاءات الأساسية المطلوبة للنجاح والتقييم اللاحق لإظهار كل مرشح لتلك الكفاءات في تجاربه السابقة.
من منظور التوظيف، هناك نوعان مختلفان من الكفاءات الأساسية: خاصة بالوظيفة والتنظيمية. فِي ما يلي نظرة عامة موجزة عن كل نوع.
تتمثل الخطوة الأولى في اعتماد نهج التوظيف القائم على الكفاءة في تحديد كل من الكفاءات المؤسساتية والخاصة بالوظيفة المطلوبة لمنصب معين.
يمكن لاستخدام الكفاءات الأساسية كإطار لمراحل الفرز وإجراء المقابلات في عملية التوظيف أن يوفر معلومات أكثر أهمية مما قد توفره ينتج مقارنة المرشحين مع قائمة المتطلبات أو تقييم ما إذا كان مدير التوظيف "يعجبه" المرشح. وهنا نوصي باستخدام المقابلات السلوكية، التي تشير إلى طرح الأسئلة التي تتطلب من المرشحين وصف التَجَارِب السابقة التي تمكنوا عبرها من إظهار كفاءات محددة.
استنادًا إلى فرضية أن السلوك السابق يتنبأ بالسلوك المستقبلي فقد وجدت الأبحاث والتجارب أن المقابلات السلوكية هي طريقة أكثر فاعلية لقياس كيفية أداء كل مرشح في أنواع معينة من المواقف، ومن ثم مدى نجاح كل منهم في دور معين.
تظهر إحصاءات التنوع في مكان العمل أن 76٪ من الموظفين والباحثين عن عمل قالوا إن التنوع مهم عند تقييم عروض العمل. لذا فإذا كانت عملية التوظيف الخاصة بك متحيزة فإنك تكون مُعَرَّضًا لفقد المرشحين المتميزين والفشل في بناء القُوى العاملة المتنوعة التي يتوقعها المرشحون.
يسمح إجراء المقابلات والتقييم على أساس الكفاءة لمسؤولي التوظيف ومديري التوظيف بالتركيز فقط على نقاط القوة والسلوكيات التي يعرفون أنها ستجعل المرشح ناجحًا. بالإضافة إلى ذلك، فإنه يزيد من العدالة من خلال ضمان قيام فرق التوظيف بتقييم المرشحين بناء على نفس معايير الكفاءة من خلال عملية مقابلة منظمة.
تساعد أنظمة التوظيف القائمة على الكفاءة فرق التوظيف على وضع معايير تقييم للمرشحين، مما يزيد من جودة المرشحين الذين يتم إجراء المقابلات الشخصية معهم. غالبًا ما يكون المرشح الذي يتمتع بالمزيج الصحيح من الكفاءات الأساسية والذي يفتقر إلى الخلفية التعليمية التي تبحث عنها مناسبًا بشكل أفضل من المرشح الذي يتمتع بكفاءات أقل وتعليم مناسب. كانت هذه هي النتيجة التي توصلت إليها دراسة كلية ’’ مينيابوليس‘‘، حيث أدَّى إلغاء بعض المتطلبات إلى جلب مرشحين يتمتعون بمهارات أكثر صلة من أفضل المرشحين الذين تم العثور عليهم بواسطة طرق التوظيف التقليدية.
يمكن لمسؤولي التوظيف استخدام المعايير لكتابة أوصاف وظيفية دقيقة وتسريع عملية الاختيار. بالإضافة إلى ذلك، تساعد الكفاءات الأساسية مسؤولي التوظيف على فحص المرشحين بشكل أكثر كفاءة، واستبعاد المرشحين الذين من غير المرجح أن يكونوا مناسبين بالقدر المطلوب واكتشاف أولئك الذين ربما تم تجاهلهم.
قلل من فرص فقدان أفضل الأشخاص لديك من خلال التوظيف القائم على الكفاءات. إحصائيًا فإن المنشآت التي توظف على أساس المهارات تكون أكثر عرضة بنسبة 98٪ للاحتفاظ بأدائها العالي. كما أنهم أكثر عرضة بنسبة 107٪ لوضع المرشحين في الأدوار المناسبة. باختصار، فإن اختيار المرشحين بناء على أفضل ما لديهم يجعل من المرجح أن توظف أفضل شخص على الإطلاق لكل دور.
يمكن أن يؤدي التوظيف على أساس الكفاءات إلى مخرجات إضافية من شأنها تعزيز الاحتفاظ بالموظفين، ومنها:
تزدهر منشأتك بأكملها عندما تتخذ خيارات التوظيف التي تأخذ الكفاءات في الاعتبار. ثبت أن التوظيف الذي يضع أولوية الحصول على مهارات قبل التعليم الرسمي أو الخبرة له نتائج ممتازة. يساعد على تحسين الإنتاجية وبناء ثقافة المنشأة وزيادة المرونة والابتكار.
بعبارة أخرى، فإن المنشآت التي تركز على التوظيف والتكليف بالمهام بناء على مهارات موظفيها ونقاط قوتهم تتسم بما يلي:
في حين أن استراتيجيات العصف الذهني للتوظيف هي الخطوة الأولى، فإن التحدي الحقيقي يكمن في تفعيلها. فيما يلي بعض الإرشادات للحصول على تجربة توظيف أكثر كفاءة وفاعلية:
العَلاقة بين كفاءة التوظيف وتوظيف الكفاءات هي عَلاقة متكاملة ومتداخلة، لا يمكن أن يكتمل طرف منها دون الآخر، يتطلب اعتماد نهج توظيف قائم على الكفاءات استثمارًا للوقت والجهد مقدمًا، ولكن هذا الاستثمار يستحق الجهد لأنه يمكنك من اتخاذ قرارات توظيف أكثر جودة. بعد إجراء التوظيف، تظل الكفاءات الأساسية مفيدة في تحديد الأهداف ووضع الموظفين الجدد لتحقيق النجاح، وتحديد مجالات التطوير المهني، واتخاذ القرارات المناسبة بشأن الترقيات والزيادات المستقبلية. تؤدي هذه العوامل إلى زيادة مشاركة الموظفين والاحتفاظ بهم، وهما سمتان مميزتان للمؤسسات الناجحة.