مع ثورة الاتصالات التي شهدتها العقود الأخيرة، أصبح العمل عن بعد بشكل كامل، أو بشكل جزئي (هجين) خيارًا متاحًا، ليس فقط لمنح الموظفين مساحات مرنة للإبداع، ولكن كذلك لتقليص النفقات، خاصة خلال فترات الركود التي تكتنف الاقتصاد العالمي من آن لآخر، أو للتعامل مع بعض الظروف الاستثنائية.
ثم كانت جائحة كوفيد-19، التي جعلت من التحول لنظم العمل عن بعد ضرورة حتمية وليس خيارًا، وتزامن ذلك مع ظهور العديد من الحلول التقنية التي سهّلت كثيرًا من إمكانية العمل عن بعد، وكانت الجائحة اختبارًا حقيقيًا لإمكانية تطبيق هذه النظم على نطاقات أوسع، وقياس مميزاتها وعيوبها بشكل واقعي.
ولكن ماذا بعد؟ هل ما زالت هناك ضرورة حقيقية لاستمرار هذه النظم بعد انتهاء الجائحة؟ وإلى أين يتجه العالم بصدد هذه النظم في 2025؟
لنكتشف ذلك معًا في السطور القادمة!
كما نفهم من الاسم، فإن هذه النظم تتضمن العمل خارج المقرات الثابتة للمنشآت، من أي مكان يُفضله الموظف، سواء مع الاتصال بالمنشأة خلال ساعات العمل الرسمية لها، أو دون تحديد ساعات عمل. وتسمى نُظم العمل التي تمزج بين خياري العمل عن بعد والعمل داخل مقرات المنشأة بـ نظم العمل الهجينة Hybrid Work.
يوفر العمل عن بُعد الكثير من الفوائد المذهلة لكل من أصحاب العمل والموظفين ومنها:
في حال كان ذلك خيارًا متاحًا، فيمكن لنظام العمل الهجين أن يخفف من سلبيات نظام العمل عن بعد إلى حد كبير، مع الحفاظ على الكثير من مكتسباته. حيث يتيح إمكانيات أكبر للتواصل مع الزملاء داخل مقرات العمل، وبالتالي فإنه يزيد من الترابط بين أفراد الفريق الواحد، ويزيد من تعزيز العمل الجماعي، وكذلك الشعور بالانتماء للمنشأة.
على الجانب الآخر فإن الشعور بانخفاض الأمان الوظيفي وعدم التقدير يظل على الأغلب حاضرًا في نظم العمل الهجينة، وإن كان بنسب أقل من مثيله في نظم العمل عن بُعد.
كان العمل عن بعد بمثابة طوق نجاة للشركات خلال زمن جائحة كوفيد-19، حيث سمح للمنشآت بمواصلة عملها مع الحفاظ على السلامة. ومع ذلك، مع اقترابنا من عام 2025، تعيد العديد من الشركات التفكير في استراتيجياتها طويلة المدى.
من المتوقع أن يمثل عام 2025 نقطة تحول كبيرة في نظم العمل حول العالم، حيث من المرجح أن يتراجع الاعتماد على نظم العمل عن بعد لصالح ازدهار نظم العمل الهجينة. ولهذا التحول آثار هائلة على مشاركة الموظفين والاحتفاظ بهم وإنتاجيتهم.
أشرنا مسبقًا إلى السلبيات العديدة التي ينطوي عليها نظام العمل عن بعد، والتي يمكن تجاوز أغلبها من خلال التحول إلى العمل المختلط أو الهجين، وعلى سبيل التفصيل، نسرد فيما يلي أهم المميزات التي قد تعزز من أفضلية العمل الهجين مقابل العمل عن بعد:
وجدت العديد من الشركات، وخاصة تلك التي تعمل في الصناعات الإبداعية أو الأدوار التي تتطلب تعاونًا كبيرًا، أن العمل عن بعد يمكن أن يكبح العصف الذهني التلقائي والعمل الجماعي. غالبًا ما تؤدي التفاعلات داخل المكتب إلى أفكار أكثر ابتكارًا ومرونة أكبر لفرق العمل يصعب تحقيقها عن بُعد. يتضمن النموذج الهجين -حيث يقسم الموظفون وقتهم بين المنزل والمكتب – دمج أفضل ما في النظامين (التقليدي والبعيد) من ميزات.
تشير الدراسات إلى أن العمل عن بُعد على المدى الطويل يمكن أن يؤدي إلى مشاعر العزلة والاحتراق الوظيفي وانخفاض الروح المعنوية. في حين أن العمل عن بُعد يوفر درجة عالية من الاستقلالية، فإن بعض الموظفين يعانون للخروج ذهنيًا من وضعية العمل، مما يؤدي إلى ساعات أطول من الإرهاق الذهني والعاطفي وتوازن أقل بين العمل والحياة. يمكن أن يخفف العمل المختلط من ذلك من خلال منح الموظفين هيكل الحياة المكتبية دون الحاجة إلى التخلي عن العمل عن بعد بشكل كامل.
الثقافة هي العمود الفقري للمنشآت الناجحة. بينما يوفر العمل عن بعد المرونة، إلا أنه يمكن أن يضعف ثقافة المنشأة. يفتقد الموظفون المحادثات الخفيفة، وتجمعات الفريق، ولحظات الترابط التي تقوي العلاقات وتتوافق مع قيم الشركة. يحافظ نموذج العمل المختلط على هذه الثقافة من خلال السماح للموظفين بالتواجد جسديًا مع الاستمرار في الاستمتاع بمرونة الأيام البعيدة.
زاد العمل عن بعد من صعوبة مراقبة الأداء والحفاظ على المشاركة وضمان المساءلة. يسمح العمل الهجين بعقد اجتماعات شخصية دورية تساعد المديرين على البقاء على اتصال مع فرقهم مع احترام حاجتهم إلى المرونة. وبذلك يسمح العمل الهجين بمراقبة أفضل للإنتاجية والتقدم، مما يعتبر حلاً وسطًا يمكن للموظفين من خلاله التمتع بالاستقلالية مع شعور أكبر بالمسؤولية.
تستثمر المنشآت بكثافة في البنية التحتية المادية: المساحات المكتبية، والمعدات، وغرف الاجتماعات، التي لا تكون مستغلة بالقدر الكافي مع وجود قوة عاملة تعمل عن بعد بشكل كامل.
يشير استطلاع لمؤسسة "غالوب" إلى أن 60% من الموظفين يفضلون نظم العمل الهجينة على ما سواها، وبالرغم من ذلك فإن الموظفين الذين يعملون بنظام العمل الهجين يكونون عادة أقل اندماجًا ومشاركة من الموظفين التقليديين.
قبل أن نجيب عن سؤال كيفية تعزيز مشاركة الموظفين في نظم العمل الهجينة، فمن المهم أن نسأل ...
في السابق كان معظم الموظفين يعملون في أماكن العمل مع زملائهم، ربما تناولوا الغداء معًا أو خرجوا بانتظام للتنزه بعد العمل. وقد وفر هذا الكثير من الفرص للتواصل الاجتماعي، والذي أخذ في التآكل مع التحول للعمل عن بعد. إن عدم رؤية الأشخاص في المكتب كل يوم يمكن أن يجعل العديد من موظفي النظم الهجينة يشعرون بالانفصال.
بالنسبة للموظفين الذين اعتادوا العمل لفترات طويلة داخل مقرات الشركات، فإن لديهم جدولاً زمنيًا إلزاميًا يسير وفق وتيرة شبه ثابتة بشكل يومي. لا شك إن التحرر من قيد هذا الجدول أمر رائع، لكن عدم وجود هذا الجدول قد يسبب ارتباكًا لدى الكثيرين يصاحبه غياب القدرة على تنظيم الأعمال اليومية مرة أخرى.
يمكن أن يفقد الموظفون في نظم العمل الهجينة الشعور بالانتماء عندما لا يتواجدون دائمًا في الموقع الفعلي نفسه مثل بقية العاملين بالشركة. غالبًا ما يشعرون بالانفصال عن القرارات الرئيسية، مما يؤدي إلى مجموعات داخلية ومجموعات خارجية، حيث غالبًا ما يتم تفضيل الموظفين في الموقع على حساب أولئك الذين يعملون وفقًا لنظام هجين.
من الضروري للغاية تعزيز ثقافة يكون فيها التواصل المفتوح والمتكرر داخل المنشأة قاعدة أساسية. ويمكن أن يتم ذلك من خلال عدة طرق، على سبيل المثال:
لا تنسَ وضع إرشادات واضحة بشأن أوقات الاستجابة ومدى التوفر، والالتزام بها.
يتطلب الانتقال إلى العمل الهجين مدخلات من القادة والموظفين على حدٍ سواء. فيما يلي بعض الطرق التي يمكنك من خلالها أن تُظهر لموظفيك أنك تأخذ مساهماتهم على محمل الجد:
يبلغ متوسط زمن الاجتماع عبر تطبيقات اجتماعات الفيديو (مثل زووم Zoom) 54 دقيقة. وهذا وقت طويل جدًا، ويمكن أن يستنفد الموظفون سريعًا إذا كان لديهم اجتماعات متعددة يوميًا أو يقضون وقتًا طويلاً أمام الشاشات.
يمكن للموظفين استعادة حيويتهم ونشاطهم بين الاجتماعات الهجينة إذا كان لديهم الوقت للنهوض والتمدد والابتعاد عن أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم لبعض الوقت. وبعد ذلك، يمكنهم بدء اجتماعهم التالي وهم يشعرون بالطاقة والاستعداد للمساهمة. إليك بعض الطرق الإضافية لمكافحة إرهاق اجتماعات الفيديو:
يمكن أن تكون مساعدة فريقك على التواصل أمرًا ممتعًا، ويمكن أن تساعد في تسهيل يوم عمل طويل.
لا شك أن القدرة على تكوين علاقات شخصية تعد أمرًا مهمًا في مكان العمل، ولكنها أصبحت حيوية بشكل خاص الآن في بيئات العمل الهجينة.
أظهرت استطلاعات غالوب مؤخرًا أن 32% من الموظفين قالوا إن أفضل صديق لهم هو زميل عمل كانوا راضين للغاية عن مكان عملهم خلال الجائحة.
لا يحتاج موظفوك بالضرورة إلى أفضل الأصدقاء للمشاركة في العمل، لكنهم يحتاجون إلى مدير يهتم بهم. الأمر نفسه ينطبق على الموظفين البعيدين تمامًا.
فيما يلي بعض النصائح للمديرين للتعامل بفعالية مع أفراد الفريق:
إذا كنت جادًا بشأن الحفاظ على مشاركة العاملين بالنظم الهجينة لديك، فيجب أن يكون بناء المجتمع على رأس أولوياتك.
فيما يلي بعض الأساليب الإبداعية لتعزيز التعاون بين فرق نظم العمل الهجينة:
من الطبيعي أن يكون الموظفون أكثر تفاعلاً عندما يتم الاعتراف بعملهم الشاق. وخاصة أولئك الذين تم تعيينهم في وظائف هجينة. ويمكنه أيضًا تحسين جودة العمل وتمرير الشعور بالثقة عندما يشعر الموظفون بالتقدير.
هناك عدة طرق لتقدير مساهمات الموظفين:
وفقاً لمؤسسة ماكينزي، فإن الموظفين الذين يواجهون تحديات تتعلق بالصحة العقلية والرفاهية هم أكثر عرضة بأربعة أضعاف لترك مؤسساتهم. والأسوأ من ذلك أن موظفي نظم العمل الهجينة هم الأكثر عرضة للتوتر. ولذلك فإن خلق بيئة عمل داعمة يعد أمرًا بالغ الأهمية للحفاظ على مشاركة موظفي نظم العمل الهجينة.
فيما يلي بعض الطرق التي يمكنك من خلالها تعزيز ثقافة الرفاهية:
لا توجد طريقة لتمرير الشعور بالغاية الجماعية والترابط أفضل من تحديد رؤية للمنشأة. فيما يلي بعض الطرق التي يمكنك من خلالها إبقاء الموظفين متوافقين مع رؤية منشأتك وأهدافها:
يجب على المنشآت ألا تتجاهل أهمية التعلم والتطوير المستمر لموظفي نظم العمل الهجينة، من أجل الحفاظ على مشاركتهم واندماجهم في بيئة العمل.
فيما يلي بعض الطرق التي يمكنك من خلالها الحفاظ على أفضل المواهب من خلال تعزيز تطوير الموظفين ونموهم:
قد يكون التعاون صعبًا بالنسبة للفرق التي تعمل في أماكن مختلفة. ولكن يمكن للتكنولوجيا أن تساعد في رأب الفجوة بين الأشخاص في المكتب ونظرائهم في نظم العمل الهجينة.
فيما يلي بعض التوصيات لاختيار الأدوات المناسبة وتنفيذها:
مع قيام المنشآت باتباع نظم عمل بعيدة يزداد الضغط على أمن البيانات والامتثال. بحلول عام 2025، سيتعين على الشركات الإنفاق على الأمن السيبراني لضمان تبادل المعلومات الحساسة المشتركة عن بُعد عبر منصات مؤمنة تمامًا. ويشمل ذلك أدوات الاتصال المؤمنة وتوفير خطط تدريب للموظفين تتعلق بحماية البيانات.
لا يمكن أن تدور عجلة الزمن إلى الوراء، ولا يمكن للعالم العودة بالكامل إلى نظم العمل التقليدية مع التخلي التام عن نظم العمل الهجينة أو العمل عن بعد، غير أن الاستفادة من التجريب المكثف لهذه النظم والعمل على تطويرها وتخطي سلبياتها سيظل هاجسًا ملحًا لدى التنفيذيين وصناع القرار وخبراء الموارد البشرية، بالإضافة إلى رواد التقنيات التي فرضت وجودها كأدوات مهمة لتذليل الطريق أمام نظم العمل الجديدة.