إن إجراء فصل الموظف يأتي كجزء من الممارسات الخاصة بإدارات الموارد البشرية، سواء كان ذلك نوعًا من الإجراءات العقابية أو لأسباب أخرى.
وقد حرص المشرع السعودي على إيضاح وتفصيل كل ما يخص إجراء فصل العامل من الخدمة في المملكة العربية السعودية، وذلك من خلال نظام العمل السعودي اﻟﺼﺎدر ﺑﺎﻟﻤﺮﺳﻮم اﻟﻤﻠﻜﻲ رﻗﻢ(م/51) بتارﻳﺦ23/08/1426ﻫـ، وتعديلاته. وذلك حرصًا على حماية حقوق كل من العامل وصاحب العمل على السواء، وتعزيز الانضباط المؤسسي داخل المنشآت العاملة بالمملكة.
نستعرض في هذا المقال أهم جوانب وحالات إجراء الفصل من الخدمة، وما يتعلق به من شروط وضوابط وإجراءات، وكذلك الممارسات النموذجية للموارد البشرية في التعامل مع عملية الفصل.
يعني فصل الموظف إنهاء علاقة العمل التعاقدية بينه وبين المنشأة، سواء كان ذلك كنوع من الإجراءات العقابية، أو ضعف الأداء، أو كجزء من حزمة إجراءات تقشفية لتقليل النفقات، أو لأسباب أخرى كما سنشرح لاحقًا، ويتم ذلك بإخطار مسبق، أو بشكل فوري في حال كون الفصل إجراءً عقابيًا/ تأديبياً. ويترتب عليه تصفية الإلتزامات المالية المعلقة بين الموظف والمنشأة، (سنتطرق إلى هذه النقطة بالتفصيل في فقرة لاحقة تحت عنوان المستحقات المالية المترتبة على فصل الموظف.)
يضمّ نظام العمل السعودي عدداً من الحالات التي يجوز لصاحب العمل فيها فصل الموظف من الخدمة، وهي كما يلي:
حددت المادتان (53) و (54)، ضوابط إخضاع الموظف لفترة تجربة لا تزيد عن 90 يومًا، ويجوز تمديدهًا بحد أقصى حتى 180 يومًا من إجمالي مدة الخدمة، وخلال تلك الفترة يجوز لصاحب العمل فصل الموظف من الخدمة إذا تبين له خلال فترة التجربة ما يستلزم عدم استمرار الموظف في العمل، وفي هذه الحالة لا يكون الموظف مستحقًا لمكافأة نهاية الخدمة.
حددت المادة (80) من نظام العمل السعودي الحالات التي يجوز فيها لصاحب العمل فصل الموظف من الخدمة كإجراء تأديبي/عقابي، ويتضمن ذلك عدم أحقية الموظف في الحصول على فترة إخطار مسبقة، أو الحصول على أية تعويضات، وكذلك حرمانه من مكافأة نهاية الخدمة، وهذه الحالات هي:
منح نظام العمل السعودي لصاحب العمل الحق في فصل الموظف أو إنهاء عقده، إذا كان العقد غير محدد المدة، بناء على سبب مشروع يجب بيانه بموجب إشعار يوجه إلى الموظف كتابة قبل الإنهاء بمدة تحدد وفق عقد العمل، على ألا تقل عن ستين يوماً للموظفين الذين يتقاضون أجورهم شهريًا، ولا تقل عن ثلاثين يومًا لغيرهم.
تعتبر كذلك من الأسباب المشروعة لفصل الموظف إصابته بعجز دائم يحول بشكل واضح دون قدرته على أداء مهام عمله، وكذلك أسباب القوة القاهرة مثل الكوارث الطبيعية، وتوابع الأزمات الاقتصادية.
إضافة إلى الحالات التي بينها نظام العمل، والتي يجوز فيها فصل الموظف من الخدمة، فقد بين النظام كذلك عدة حالات لا يجوز فيها فصل الموظف من الخدمة، وذلك كما يلي:
وفقاً للمادة (82) لا يجوز لصاحب العمل فصل العامل من الخدمة بسبب مرضه، ما لم يستنفد كامل المدة التي حددها نظام العمل للإجازة المرضية، ويحق للعامل تمديد إجازته المرضية في حدود ما يستحقه من رصيد إجازته السنوية.
وفقًا للمادة (79)، فإن عقد العمل لا ينتهي بوفاة صاحب العمل ما لم تكن شخصيته قد روعيت في إبرام العقد، بمعنى آخر أن يكون صاحب العمل طرفاً في عقد العمل بشخصه (لا بصفته كصاحب المنشأة أو شريك أو مدير أو ما إلى ذلك).
لا يجوز فصل الموظف نتيجة لقيامه بتقديم شكوى رسمية، سواء كانت شكوى داخلية عبر القنوات الداخلية للمنشأة، أو شكوى للجهات الرسمية بالدولة ضد المنشأة.
بخلاف الحالات التي يجوز فيها لصاحب العمل إصدار قرار بفصل الموظف، فإن علاقة العمل تنتهي تلقائياً في عدة حالات بينها نظام العمل السعودي في مادته (74)، وهي:
بخلاف الحالات التي أوضحناها مسبقًا، والتي يترتب عليها حرمان الموظف من مستحقاته المالية جراء الفصل، فقرار فصل الموظف يترتب عليه عدد من الاستحقاقات المالية كما يلي:
يستحق الموظف أجره كاملاً عن آخر فترة غير مدفوعة عبر مسير الرواتب، وكذلك عن فترة الإخطار إذا قرر صاحب العمل إعفاء الموظف من العمل خلال فترة الإخطار المنصوص عليها في عقد العمل أو الحد الأدنى المنصوص عليه في نظام العمل (60 يومًا للموظفين بأجر شهري، 30 يومًا لغيرهم)
وفقاً للمادة (111)، يحق للموظف الحصول على القيمة المالية لرصيد إجازاته السنوية، وتحتسب بواقع واحد وعشرين يومًا عن كل سنة من الخدمة، وتزاد إلى ثلاثين يومًا إذا زادت مدة الخدمة عن خمس سنوات متصلة، ويستحق الرصيد عن السنوات المكتملة أو أجزاء السنة.
نصت المادة (77) على أحقية الموظف في الحصول على تعويض إذا تم فصله لسبب غير مشروع، ويحتسب على أساس 15 يوماً عن كل سنة من سنوات الخدمة إذا كان العقد غير محدد المدة، وإذا كان العقد محدد المدة، فإن الموظف يستحق قيمة أجره عن المدة المتبقية من العقد، وفي كلا الحالتين لا يجب أن تقل قيمة التعويض عما يعادل أجر الموظف لشهرين.
إذا تم فصل العامل لغير الأسباب التأديبية المنصوص عليها في المادة (80) من نظام العمل السعودي، فإنه يستحق ما يعادل أجره عن نصف شهر لكل سنة من سنوات الخدمة الخمس الأولى، وأجر شهر عن السنوات التي تليها، وينطبق ذلك على السنوات التامة وأجزاء السنة. وتحتسب مكافأة نهاية الخدمة على أساس آخر أجر تقاضاه الموظف خلال مدة خدمته.
يترتب على قرار فصل الموظف كذلك تصفية المديونيات التي قد تكون في ذمة الموظف لصالح الشركة، وكذلك تعويض التلفيات إن كان قرار الفصل قد تم كإجراء عقابي بسبب إتلاف شيء من ممتلكات الشركة وفقاً للفقرة (4) من المادة 80 من نظام الموارد البشرية، وكذلك أية سلف أو ديون أخرى قد تكون في ذمة الموظف لصالح الشركة.
في عالم الموارد البشرية لا يُعتبر فصل الموظف مجرد قرار، إذ أنه يكون عادة للمسألة جوانب وأبعاد أخرى، وله قراءات ينبغي أخذها في الحسبان.
عادة تنص سياسات الموارد البشرية على تشكيل ما يعرف بلجنة التوظيف، وكذلك لجنة إنهاء الخدمات، ويكون من صلاحيات هذه اللجان التصديق على قرار توظيف أو فصل الموظف، وعادة تتكون اللجنتان من نفس الأعضاء، مع تباينات طفيفة.
تتشكل عادة لجنة التوظيف من: الرئيس التنفيذي، رئيس الشؤون المالية أو مدير الخدمات المشتركة، مدير الموارد البشرية بشكل ثابت، ويكون مدير الإدارة التي يعمل بها الموظف أو رئيسه الأعلى طرفًا متغيرًا في تلك اللجنة، ويضاف إلى لجنة إنهاء الخدمات رئيس الشؤون القانونية أو المستشار القانوني للمنشأة أو من يقوم مقامهما. وعادة يكون قرار توظيف أو فصل الموظف مشروطاً بتوقيع كامل أعضاء اللجنة أو عدد منها، حسب الوظيفة، ويكون لبعض الوظائف قرار رئيس مجلس الإدارة كافيًا حال غياب بعض أعضاء اللجنة.
لقرار فصل الموظف تبعات وأبعاد يجب أن يأخذها محترفو الموارد البشرية بعين الاعتبار، فبخلاف تأثير هذا الحدث على معدل دوران الموظفين Turnover rate، فإن هذا القرار قد يؤشر على أبعاد أخرى ينبغي أخذها بعين الاعتبار، مثل جودة التوظيف، جودة التدريب، تكلفة التوظيف وإعادة التوظيف، تأثير الثقافة المؤسسية على قرار فصل الموظف، هذا على سبيل المثال.
في حال فصل الموظف لأسباب تأديبية، فيجب أن يخضع الموظف لتحقيق إداري لضمان نزاهة وعدالة قرار الفصل، ويتعين على المنشآت المنظمة الحصول على موافقة عدد معين من أعضاء لجنة إنهاء الخدمات، متضمنة مدير الشؤون القانونية أو من يمثله، وكذلك يتعين على المنشأة السماح للموظف بالتظلم ضد القرار ومناقشة أسبابه.
كما أوضحنا سابقاً في هذا المقال، فإنه يتعين إخطار الموظف كتابةً بفصله من العمل، سواء كان ذلك لأسباب تأديبية، أو لغير ذلك، وفيما يخص الفصل التأديبي فإن الموظف يُخطَر مباشرة عند تنفيذ القرار وفقاً لأحكام المادة (80) من نظام العمل السعودي، ويتم منحه فترة إخطار وفقاً لعقد العمل أو المدد المحددة قانونيًا في الحالات الأخرى كما أسلفنا.
وفي غير الحالات التأديبية، ننصح باتباع سياسة ودية خلال إجراء فصل الموظف، ومحاولة توضيح الأسباب التي دعت لفصله، وتقديم الدعم النفسي له خلال فترة الإخطار.
يتم إعداد خطة لتسليم واستلام المهام التي كان يتولاها الموظف، بداية من اختيار الموظف البديل (سواء بشكل دائم أو مؤقت) وجدولة عملية التسليم والاستلام وتدوينها، وتتضمن عملية تسليم المهام ما يلي:
من الضروري أن يكون الأفراد المنوط بهم تنفيذ إجراء فصل الموظف على وعي ودراية كاملين بالأبعاد والتفاصيل الإدارية والقانونية لهذا القرار وكيفية تنفيذه بشكل صحيح وعادل، وذلك حتى تتجنب المنشأة أية تبعات قانونية غير مرغوب بها، فضلاً عن الآثار التي قد تلحق بسمعة الشركة وهويتها التوظيفية، وكذلك على معنويات بقية العاملين داخل المنشأة.
لا شك أن فصل الموظف هو إجراء صعب في جميع الأحوال، فضلاً عما يمثله من تكلفة مباشرة أو غير مباشرة على المنشأة، لذلك من الضروري أن يتعامل محترفو الموارد البشرية بشيء من الحكمة والمرونة عند إجراء فصل الموظف، واستيعاب الدروس المستفادة من هذا الإجراء لتقليل الخسائر المترتبة عليه، وكذلك الحفاظ على الطابع المهني للإجراء دون التأثر عاطفيًا بملابسات قرار الفصل.