الرئيسية
\
المقالات
\

الدليل الشامل للمقابلات السلوكية

بواسطة 
مها السقاف

تشير الإحصاءات إلى أن عدد الشركات التي تُجري مقابلة سلوكية قد ارتفع بنسبة 65% خلال العقدين الماضيين. كما تُظهر إحصائية أخرى بأن المقابلة السلوكية تتنبأ بسلوك الموظف المستقبلي تجاه العمل بدقة تصل إلى 55%. تابع القراءة لتتعرف على ماهية المقابلة السلوكية، وأهميتها، وكيفية إجرائها، مع أمثلة على الأسئلة الأكثر شيوعًا في هذه المقابلة.

ما هي المقابلة السلوكية (Behavioral Interview)؟

المقابلة السلوكية هي أسلوب يعتمد على تقييم قدرة المرشح على تلبية متطلبات الوظيفة من خلال تحليل خبراته السابقة. تستند هذه التقنية إلى مبدأ أن الأداء السابق يعد مؤشرًا قويًا للأداء المستقبلي؛ أي أن الطريقة التي استخدم بها المرشح مهاراته في الماضي تتنبأ بأدائه في المستقبل إذا تم توظيفه. خلال هذه المقابلة، يُطلب من المرشح تقديم أمثلة واقعية تعكس المهارات والسلوكيات والخبرات التي تثبت قدرته على أداء المهام الأساسية وتحقيق النجاح في المنصب المستهدف.

ما الفرق بين المقابلة السلوكية (Behavioral Interview) والمقابلة السلوكية المبنية على الجَدارات (Competency-based interviewing)؟

في حين أن المقابلات السلوكية والمقابلات السلوكية المبنية على الجَدارات تعتبر تقنيات فعّالة لتقييم المرشحين للوظائف، إلا أن هناك اختلافات واضحة في نهج كل منهما وتركيزها.

المقابلات السلوكية

  • التركيز: تركز على السلوكيات السابقة للمرشح.
  • صيغة السؤال: "حدثني عن موقف كان عليك فيه أن..."
  • الهدف: تقييم تعامل المرشح مع مواقف معينة في وظيفته السابقة، بناءً على فرضية أن السلوكيات السابقة تُعتبر مؤشرات على الأداء المستقبلي.
  • مثال على سؤال: "هل يمكنك وصف تجربة واجهت فيها عميلًا صعبًا؟ كيف كان رد فعلك تجاه الموقف؟"

المقابلات القائمة على الكفاءة

  • التركيز: تركز على مهارات وقدرات محددة.
  • صيغة السؤال: "حدثني عن موقف أظهرت فيه..."
  • الهدف: تقييم مهارات المرشح وقدراته مقارنة بمجموعة محددة مسبقًا من الكفاءات المطلوبة للوظيفة.
  • مثال على سؤال: "هل يمكنك إعطائي مثالاً على موقف كان عليك فيه حل مشكلة معقدة؟ ما الخطوات التي اتبعتها لحل المشكلة؟"

ما أهمية المقابلة السلوكية؟

  1. تقييم دقيق للمهارات
    تُعد المقابلات السلوكية أداة فعّالة لتقييم المهارات السلوكية والعملية للمرشح، والتي يصعب قياسها من خلال السيرة الذاتية أو الاختبارات الكتابية، مثل مهارات التواصل، والقيادة، والتفكير النقدي، وحل المشكلات.
  2. تقليل مخاطر التوظيف
    تساعد المقابلات السلوكية في اختيار المرشح المناسب من المرة الأولى، مما يقلل من تكاليف التوظيف المرتبطة بتدريب وتطوير موظفين قد لا ينجحون في أداء مهامهم بفاعلية.
  3. تحقيق توافق أفضل مع ثقافة الشركة
    من خلال فهم سلوكيات المرشح السابقة، يمكن التأكد من أن المرشح يتماشى مع قيم وثقافة الشركة، مما يسهم في نجاحه على المدى الطويل.
  4. زيادة معدل الاحتفاظ بالموظفين
    عند اختيار مرشحين يتناسبون مع البيئة التنظيمية والوظيفة بشكل مثالي، ترتفع احتمالات بقاء هؤلاء الموظفين مع الشركة لفترة أطول، مما يعزز استقرار الفريق وفعاليته.

كيفية إجراء مقابلة سلوكية

تتطلب المقابلة السلوكية الفعّالة اتباع بعض الخطوات الأساسية. ستساعدك العناصر التالية في تحقيق أقصى استفادة من المقابلة وفرز المرشحين الأفضل من المتقدمين الأقل تأهيلاً:

الخطوة 1: صياغة الأسئلة لتقييم المهارات والصفات الأساسية

عند إعداد الأسئلة للمقابلة السلوكية، من الضروري أن تُصاغ هذه الأسئلة لتقييم المهارات والصفات المحددة التي تعتبرها أساسية للوظيفة. يجب عليك أولاً الاجتماع مع جميع الأفراد المعنيين في عملية التوظيف للاتفاق على المهارات والصفات الأكثر أهمية. بمجرد تحديد الأولويات، اعمل على صياغة الأسئلة لتوضيح مدى قدرة المرشح على تحقيق الأهداف والتفوق في المنصب بناءً على خبرته السابقة.

الخطوة 2: استخدام أسلوب STAR

يُعتبر أسلوب STAR من التكتيكات الشائعة لتطوير أسئلة المقابلة السلوكية. يتطلب هذا الأسلوب من المرشح تقديم تفاصيل حول موقف معين، أو مهام معنية، والإجراءات المتخذة، ونتائج تلك الإجراءات باستخدام أسلوب STAR، يمكنك هيكلة الأسئلة بشكل استراتيجي بحيث يتمكن المرشح من:

  •  S : وصف موقف (situation) أظهر فيه سلوكًا معينًا.
  •  T:  شرح المهام (tasks)  المحددة المرتبطة بمعالجة ذلك الموقف.
  •  A: توضيح الإجراءات المتخذة (actions)  لإنجاز المهام المطلوبة.
  • R: وصف نتائج (results) تلك الإجراءات.

الخطوة 3: إنشاء مقياسٍ للتقييم

تعتبر المعلومات المستخلصة من أسئلة المقابلة السلوكية الاستراتيجية غير فعّالة دون نظام موحد لقياس مدى توافق إجابات المرشح مع متطلبات الوظيفة. لذا، من المهم إنشاء مقياس تقييم موحد يضمن تقييم جميع المرشحين بناءً على نفس المعايير. يجب تحديد مقياس التقييم بوضوح لضمان فهم جميع المحاورين لكيفية تقييم كل مرشح بشكل مناسب. إليك نموذج مقياس تقييم نموذجي:

  • يتجاوز المتطلبات إلى حد كبير: يقدم إجابات مثالية توضح الكفاءة بدقة وبشكل ثابت ومستقل.
  • يتجاوز المتطلبات: يوضح كفاءته بدقة وبشكل ثابت في معظم المواقف مع الحد الأدنى من التوجيه.
  • يلبي المتطلبات: يوضح كفاءته بدقة وبشكل ثابت في الإجراءات المألوفة، مع الحاجة إلى توجيه المشرف بشأن المهارات الجديدة.
  • أقل من المتطلبات: يوضح كفاءته بشكل غير متسق، حتى مع التعليمات أو التوجيه المتكرر.
  • فجوة كبيرة: يفشل في إثبات الكفاءة بغض النظر عن التوجيه المقدم.

تتضمن مقاييس التقييم السلوكية (BARS) معاييرًا تربط الإجابات بالمقياس بناءً على السلوكيات الرئيسية المستهدفة لكل سؤال. فبدلاً من التركيز على الخصائص العامة، تساعد مقاييس التقييم السلوكية (BARS) على تقييم سلوكيات محددة ضرورية للنجاح في الدور. على سبيل المثال:

يجب أن تبدو الإجابة التي تتجاوز المتطلبات بشكل كبير مثل سلوك X، ويجب أن تبدو الإجابة التي تلبي المتطلبات مثل سلوك Y، ويجب أن تبدو الإجابة التي تقل عن المتطلبات مثل سلوك Z.

الخطوة 4: اطرح أسئلة المتابعة

حتى مع الأسئلة السلوكية المصممة بشكل استراتيجي للمقابلات، ستحتاج غالبًا إلى البحث بشكل أعمق للحصول على معلومات كافية لتقييم قدرات المرشح. إن طرح أسئلة المتابعة يحفز المرشح على التوسع في تفاصيل المعلومات التي شاركها بالفعل. في حال كانت الإجابات غير كافية، يمكنك الاستعانة بهذه الأنواع من الأسئلة:

  • كيف قمت بذلك؟
  • ماذا فعلت بهذه المعلومات؟
  • ما الذي تعلمته من...؟
  • كيف تعاملت مع...؟
  • ما تفاصيل ذلك؟
  • أخبرني المزيد عن…

كيف أسأل عن السلوك في المقابلة؟

على الرغم من أن كل وظيفة تتمتع بمتطلبات فريدة، إلا أنه من الضروري أن تركز أسئلة المقابلة السلوكية على السلوكيات المحددة التي تم تحديدها كعوامل رئيسية للنجاح في المنصب. فيما يلي بعض الأسئلة النموذجية المصممة لتقييم المهارات والقدرات والصفات المشتركة اللازمة لتلبية احتياجات الوظيفة بنجاح:

  • أسئلة حول العمل الجماعي
  • حدّثني عن موقف عملت فيه مع شخص كانت شخصيته مختلفة تمامًا عن شخصيتك. كيف تمكنت من إنجاز المهمة بنجاح؟
  • أخبرني عن موقف ارتكبت فيه خطأ وتمنيت لو تعاملت مع الموقف بطريقة مختلفة. كيف كنت ستتعامل مع الموقف الآن؟
  • هل واجهت من قبل موقفًا احتجت فيه إلى معلومات من شخص لم يكن متعاونًا؟ ماذا فعلت للحصول على المعلومات التي تحتاجها؟
  • أسئلة حول خدمة العملاء
  • أعطني مثالاً لموقف لم تلبِ فيه توقعات العميل. ماذا حدث، وكيف حاولت تصحيح الموقف؟
  • صف موقفًا كان من المهم فيه بشكل خاص ترك انطباع جيد لدى العميل. كيف حرصت على تحقيق ذلك؟
  • أسئلة حول التواصل الفعّال
  • أعطني مثالاً لموقف تمكنت فيه بنجاح من إقناع أحد الزملاء أو أعضاء الفريق في العمل برؤية الأمور من وجهة نظرك.
  • تحدث عن موقف اضطررت فيه للتواصل شفهيًا لإيصال وجهة نظر مهمة. ما الاستراتيجيات التي استخدمتها، وكيف تأكدت من توصيل رسالتك بفعالية؟
  • أسئلة حول اتخاذ القرارات
  • حدثني عن موقف اضطررت فيه إلى اتخاذ قرار بمعلومات محدودة. كيف قمت بتحليل الوضع، وما النهج الذي اتبعته لاتخاذ القرار؟
  • صف لي موقفًا اتخذت فيه قرارًا تفخر به خلال العام الماضي. ما الذي دفعك لاتخاذ هذا القرار، وما كانت النتائج التي حققتها؟
  • أسئلة حول الأهداف
  • حدثني عن هدف مهني مهم وضعته لنفسك. هل تمكنت من تحقيقه؟ وما هي العقبات التي واجهتها؟
  • صف لي موقفًا حددت فيه هدفًا ولم تحققه. ما الأسباب التي حالت دون الوصول إليه، وكيف تعاملت مع هذه التجربة ومشاعرك تجاهها؟
  • أسئلة حول المرونة
  • هل يمكنك وصف موقف شهدت فيه تغيرًا سريعًا وغير متوقع؟ كيف تعاملت معه؟
  • كيف كان تأثير الانتقال بين أدوار أو مناصب مختلفة؟ وما الدروس أو المهارات التي اكتسبتها خلال تلك الفترة.
  • أسئلة حول القيادة
  • تحدث عن وقت كنت فيه مسؤولاً عن قيادة مشروع. كيف سارت الأمور؟ إذا أتيحت لك الفرصة، ما الذي كنت ستفعله بشكل مختلف لتحسين النتيجة؟
  • صف موقفًا كان عليك فيه تعديل أسلوبك القيادي لتحقيق التأثير المطلوب. ما التغيير الذي قمت به، وكيف أثّر ذلك على الفريق أو نتائج المشروع؟

نموذج مقابلة سلوكية

قد يساعدك استكشاف الإجابات على الأسئلة السلوكية الشائعة في تقييم المهارات والصفات التي صُممت هذه الأسئلة لاختبارها. راجع الإجابات النموذجية التالية لصياغة ردودك باستخدام أسلوب STAR بأفضل طريقة.

  1. أعطني مثالاً لموقف واجهت فيه خلافًا مع أحد أعضاء الفريق، وكيف تعاملت معه؟

عندما عملت في الشركة (س)، كان فريقي مسؤولاً عن إتمام مشروع بموعد نهائي ضيق. اقترحت تقسيم المهام الفردية بين أعضاء الفريق، لكن أحدهم اعتقد أن من الأفضل العمل بشكل جماعي لعدة أيام أسبوعيًا. لأفهم وجهة نظره بشكل أفضل، رتبت لقاءً على الغداء معه للاستماع إلى أفكاره ومبرراته.

خلال هذا الاجتماع، استطعنا التوصل إلى حل وسط: إتمام المهام الأصغر بشكل فردي والعمل معًا على المهام الأكبر كمجموعة. بفضل هذا التفاهم، أكملنا المشروع قبل الموعد المحدد،  كما اكتسبت فهمًا أفضل لأعضاء فريقي وتفضيلاتهم في العمل وتعلمت أن التسوية يمكن أن تكون أحيانًا أفضل طريقة لحل النزاع وبسرعة.

  1. أخبرني عن موقف ارتكبت فيه خطأ في العمل. كيف حللت المشكلة، وما الذي تعلمته من خطئك؟

في بداية عملي كعضو في طاقم الخدمة في مطعم (X)، طلبت إحدى الزبائن سلطة وأوضحت أنها تعاني من حساسية تجاه الفول السوداني وتريد إزالة الفول منه. للأسف، أهملت إبلاغ طاقم المطبخ بذلك. عندما أحضرت الطبق، لحسن الحظ، لاحظت المشكلة قبل أن تبدأ في تناول الطعام.
شعرت بالقلق والانزعاج حيال ما حدث، وأدركت في تلك اللحظة أنني أخفقت كوني نادلًا عندما لم أتأكد من إبلاغ المطبخ عن حساسية الزبونة. اعتذرت لها على الفور، وعرضت عليها قسيمة بدلاً من تحصيل ثمن الوجبة، وهو ما قبلته بامتنان. من خلال هذه التجربة، تعلمت أهمية الاستماع الجيد للزبائن والتواصل الفعّال مع زملائي في العمل، وقد جعلتني هذه الحادثة أكثر حرصًا في المستقبل.

  1. صف موقفًا فشلت فيه في أداء مهمة. وماذا تعلمت من ذلك؟

في شركة الشحن (م)، أُتيحت لفريقي الفرصة لتقديم عرض للحصول على عقد بملايين الدولارات، وكانت مهمتنا الأساسية هي إعداد عرض المبيعات. على الرغم من أنه  كان لدينا أسبوع للتحضير لذلك، لكنني قضيت وقتًا طويلاً في مشاريع أخرى، مما دفعني إلى التسرع في تقديم جزء من العرض التقديمي، ونتيجة لذلك، قدمته مع أخطاء مطبعية وإملائية. كما غفلت عن تضمين العديد من الحقائق المهمة في الشرائح، ولم يفز فريقي بالعقد.

هذه التجربة كانت درسًا قاسيًا جعلني أدرك أهمية تحديد الأولويات. بعد ذلك، بدأت أكتب قائمة بمهامي أسبوعيًا، حيث أختار التركيز على المشاريع الأكثر تعقيدًا خلال أوقات ذروة إنتاجيتي. بفضل هذا التغيير، قمت بتحسين مهاراتي في إدارة الوقت، مما يمنحني المزيد من الفرص لإنشاء عروض تقديمية جذابة ومقنعة في المستقبل.

  1. احكِ لي عن موقف اتخذت فيه زمام المبادرة في حياتك المهنية. ما الدافع وراء قيامك بذلك؟

في الصيف الماضي، زار كبار المسؤولين التنفيذيين في بنك (ج) مكتبنا الإقليمي. كجزء من التحضير لهذا الحدث، طلبت إدارتنا من فريقي إعداد تقرير يتضمن جداول بيانات وعرضًا تقديميًا يوضح أدائنا خلال الأشهر الاثني عشر الماضية. قبل أسبوع من الزيارة، مرضت إحدى أعضاء الفريق المكلفة بإعداد جدول البيانات ولم تتمكن من إكماله. إدراكًا مني لأهمية هذا العمل، تطوعت لإنجاز جدول البيانات نيابة عنها. أدى عملي الدقيق والمستعجل إلى إعجاب الإدارة العليا، حيث تم تقديم شكر لي علنًا على مساهمتي الإضافية.

  1. ما هي الآلية التي تتبعها لحل المشكلات المهمة في العمل؟

في وظيفتي الحالية كمهندس ميكانيكي، أتعامل مع مجموعة متنوعة من المشكلات، مثل تغييرات الجداول الزمنية، وأعطال المعدات، ومخاطر مكان العمل. عند مواجهة أي مشكلة، أبدأ بتحديد جميع العوامل المؤثرة وتحليلها بعناية، ثم أعقد اجتماعًا مع الأطراف المعنية لمناقشة الحلول المحتملة.
على سبيل المثال، في الشهر الماضي، اكتشفت وجود خطأ في المخططات الخاصة بنظام تكييف الهواء الذي كنت أقوم بتصميمه. بعد توثيق المشكلة بالتفصيل، اجتمعت مع فريق الصياغة drafting team وشرحت مخاوفي. بفضل هذا التعاون، تمكن الفريق من توفير مخططات محدثة، مما سمح لنا بمواصلة العمل بسلاسة.

بعد قراءة هذا المقال، أصبح لديك فهم أعمق للمقابلة السلوكية وأهميتها في عملية التوظيف. سواء كنت باحثًا عن عمل أو مسؤول توظيف، فإن تطبيق المبادئ التي تناولناها سيساعدك في تحقيق أهدافك المهنية والاستفادة من هذه التقنية بفاعلية.